قصة

وادي عبقر الجزء الثاني

جريده موطني

وادي عبقر

الجزء الثاني

 

كتب عماد الفايدي

وادي عبقر الجزء الثاني

مما يقال عن وادي عبقر

 

يقال أن أناساً خرجوا في سفر ومعهم دليل -أي رجل صاحب دلالة في الصحراء- اسمه ابن سهم الخشب وضل الدليل الطريق فقال لمن معه: ” باللات والعُزى ومناة الثالثة الأخرى، قِفوا ! نحن على حافة وادي عبقر! ” وأشار إلى بطن الوادي، نحو كثبان رمل مقمرة وناعمة، وإذا بكائن، على هيئة إنسان، يسوق ظليماً ” ذكر نعام ” مربوطاً من خطمه بحبلة من الكتّان. كان مُقبلاً من عمق الوادي، فاستوحشنا منه، وحتى الإبل بدأت ترغي وتتراجع بنا إلى الوراء. ومرق قريباً منا. كان أطول من الناقة، ورأينا ظهره عارياً، وفيه نمش أخضر، مثل طحالب تتشعّب على سطح ماء آسن، فارتعبنا. وقف بعيداً عنا، وتلفّت نحونا، وحدّق فينا مدة جعلت فرائصنا تنتفض ،ثمَّ قال للدليل : ” يا ابن سهم الخشب : من أشعر العرب ؟ ” كان الدليل خائفاً فلم يُجب. فأكمل : أشعرهم من قال : وما ذرفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي بعينيكِ في أعشارِ قلبِ مقتـلِ فعرفنا أنّه يقصد امرؤ القيس. فقال الدليل: ” باللات والعُزّى ومناة الثالثة الأُخرى، مَنْ أنت؟ “، ورجع إلى الوراء حتى كاد يقع. فقال : ” أنا لافظ بن لاحظ، من كبار الجنِّ، لولاي لما قال صاحبكم الشعر ! ” ومضى، مقهقهاً. وقف دليل القافلة مذهولاً، وحدّق فيه حتى اختفى. قُلنا له : “فما تقول في هذا؟”، فقال : ” هذا لافظ بن لاحظ، شيطان امرئ القيس الذي يُملي عليه الشعر،

قال : قال مظعون بن مظعون الأعرابي: اني ليلة من ذلك لبفناء خيمة لي إذ ورد علي رجل من أهل الشام، فسلم ثم قال : هل من مبيت ؟ فقلت : انزل بالرحب والسعة ! قال : فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاء فتعشينا جميعاً، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأة من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة إذ انفتل من صلاته ثم أقبل بوجهه الي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمرا أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال. فأمرت ابني فأنصتا ثم قلت له: قل، فقال: بينما أنا أسير في طريقي ببقعة من الأرض لا أنيس بها إذ رفعت لي نار فدفعت إليها فاذا بخيمة واذا بفنائها شيخ كبير ،ومعه صبية صغار، فسلمت ثم أنخت راحلتي آنسا به تلك الساعة ،فقلت: هل من مبيت؟ قال: نعم في الرحب والسعة! ثم ألقى ألي طنفسة رحل، فقعدت عليها، ثم قال: ممن الرجل؟ فقلت: حميري شامي، قال: نعم أهل الشرف القديم. ثم تحدثنا طويلا إلى أن قلت: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ قال: نعم، سل عن أيها شئت! قلت: فأنشدني للنابغة! قال: أتحب أن أنشدك من شعري أنا؟ قلت: نعم! فاندفع ينشد لامرئ القيس والنابغة وعبيد ثم اندفع ينشد للأعشى، فقلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمان طويل. قال للأعشى؟ قلت: نعم! قال: فأنا صاحبه. قلت: فما اسمك؟ قال: مسحل السكران بن جندل، فعرفت أنه من الجن فبت ليلة الله بها عليم، ثم قلت له: من أشعر العرب؟ قال: ارو قول لافظ بن لاحظ وهياب وهبيد وهاذر بن ماهر. قلت: هذه أسماء لا أعرفها. قال: أجل! أما لافظ فصاحب امرئ القيس، وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر، وأما هاذر فصاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه. ثم أسفر لي الصبح، فمضيت وتركته.

 

وذكر مطرف الكناني عن ابن دأب قال : حدثني رجل من أهل زرود ثقة عن أبيه عن جده قال : خرجت على فحل كأنه فدن يمر بي يسبق الريح حتى دفعت إلى خيمة واذا بفنائها شيخ كبير ،فسلمت فلم يرد علي، فقال: من أين والى أين؟ فاستحمقته إذ بخل برد السلام، وأسرع إلى السؤال، فقلت: من ههنا، وأشرت إلى خلفي، والى ههنا، وأشرت إلى أمامي، فقال: أما من ههنا فنعم؛ وأما لى ههنا، فوالله ما أراك تبهج بذلك، إلا أن يسهل عليك مدارة من ترد عليه! قلت: وكيف ذلك أيها الشيخ؟ قال: لأن الشكل غير شكلك، والزي غير زيك، فضرب قلبي أنه من الجن، وقلت: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ قال: نعم ! قلت: فأنشدني، (كالمستهزئ به)؛ فأنشدني قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل فلما فرغ: قلت: لو أنّ امرئ القيس ينشر لردعك عن هذا الكلام! فقال: ماذا تقول؟ قلت: هذا لامرئ القيس، قال لست أول من كُفّر نعمة أسداها! قلت: ألا تستحي أيّها الشّيخ، ألمثل امرئ القيس يقال هذا؟ قال: أنا والله منحته ما أعجبك منه! قلت: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ فقلت: اسمان منكران. قال: أجل ! فاستحمقت نفسي له بعدما استحمقته لها، وأنست به لطول محاورتي اياه؛ وقد عرفت أنه من الجن، فقلت له: من أشعر العرب؟ فقال: هاذر حيث يقول: ذهب ابن حجر بالقريض وقوله ولقد أجاد فمـا يعـاب زيـاد قلت: من هاذر ؟ قال صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأبخلهم بشعره، فالعجب منه كيف أودع لأخي ذبيان به، ولقد علم ابنة لي قصيدة لهثم صرخ بها: أخرجي وانشدينا.. فأنشأت تقول: نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بهـا حزيـن قال: لو كان رأي قوم نوح فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق! فحفظت البيتين ثم نهض بي الفحل، فعدت إلى اهلي.وادي عبقر الجزء الثاني

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار