مقالات

وحدة الأمة الإسلامية: دروس من التاريخ وواجبات الحاضر

وحدة الأمة الإسلامية: دروس من التاريخ وواجبات الحاضر

محمود سعيد برغش

 

وحدة الأمة الإسلامية: دروس من التاريخ وواجبات الحاضر ، شهد التاريخ الإسلامي مواقف عظيمة كان فيها المسلمون أصحاب الكلمة العليا، ليس بقوة السلاح وحده، بل بوحدة الصف، والعدل، والتمسك بمنهج الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. واليوم، مع حالة التفرق والضعف التي تعيشها الأمة، أصبح لزامًا علينا العودة إلى هذه النماذج التاريخية، واستلهام الدروس منها، لنعرف كيف يمكن أن تستعيد الأمة مكانتها.

الإسلام ووحدة الصف

قال رسول الله ﷺ: “يد الله مع الجماعة” (رواه الترمذي)، وهذه قاعدة أساسية في قوة الأمة، فكلما توحد المسلمون على الحق، نصرهم الله، كما قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).

عندما كانت الأمة متماسكة تحت راية الإسلام، فتحت البلدان ونشرت العدل، كما حدث في عهد الخلفاء الراشدين، ثم في عهد الدولة الأموية والعباسية، إلى أن وصلت الحضارة الإسلامية إلى أوجها.

مواقف القوة في التاريخ الإسلامي

1. هارون الرشيد وملك الروم

كان الخليفة هارون الرشيد رمزًا للقوة والعزة الإسلامية، حتى أنه عندما حاول نقفور ملك الروم أن يخالف العهد الذي قطعته الملكة إيرين مع المسلمين، وكتب رسالة تهديد للخليفة، ردّ عليه هارون برسالة قصيرة لكنها قوية: “من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه”، ثم قاد بنفسه جيشًا أذلّ الروم وأجبرهم على دفع الجزية.

2. نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي

عندما تكالبت الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، تصدى لها المجاهدون الأبطال. بدأ نور الدين زنكي بتوحيد الجبهة الإسلامية، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي ليكمل الطريق ويحقق النصر العظيم في معركة حطين (1187م)، التي كانت مقدمة لتحرير القدس من الصليبيين. وكان شعار صلاح الدين مستمدًا من الحديث النبوي: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله” (رواه مسلم).

3. سيف الدين قطز والانتصار على التتار

عندما اجتاح التتار العالم الإسلامي ودمروا بغداد سنة 1258م، ظنوا أن لا قوة قادرة على التصدي لهم. لكن جاء القائد سيف الدين قطز، ومعه الظاهر بيبرس، وأعادا ترتيب الصفوف وهزما التتار في معركة عين جالوت (1260م)، محققين نصرًا تاريخيًا أنقذ الأمة من الإبادة.

كيف تستعيد الأمة عزتها؟

لكي تعود الأمة إلى سابق مجدها، لا بد من العمل على عدة محاور:

1. العودة إلى الدين الصحيح

قال رسول الله ﷺ: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي” (رواه مالك). فلا يمكن للأمة أن تنهض وهي بعيدة عن تعاليم الإسلام الصحيحة.

2. الوحدة ونبذ التفرق

التاريخ يثبت أن ضعف المسلمين كان دائمًا بسبب التفرّق، ولهذا كان النبي ﷺ يحثّ على الوحدة، فقال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” (متفق عليه).

3. القوة الاقتصادية والعسكرية

لا يمكن أن تواجه الأمة أعداءها بالكلام فقط، بل تحتاج إلى الاقتصاد القوي والاستعداد العسكري، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60).

4. القيادة الحكيمة

وجود قادة حكماء مثل عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، ونور الدين زنكي، كان عاملًا أساسيًا في الانتصارات الإسلامية.

خاتمة

إن التاريخ الإسلامي مليء بالدروس والعبر، وأمتنا ليست أقل شأنًا من أسلافها، ولكنها تحتاج إلى استعادة روح الإيمان، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، والعمل الجاد في جميع المجالات. وكما قال النبي ﷺ: “إنما النصر صبر ساعة” (رواه أحمد).

وحدة الأمة الإسلامية: دروس من التاريخ وواجبات الحاضر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى