الدكروري يكتب عن الأمانة بمفهومها الواسع
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه ما عانت المجتمعات من المحن وانتشرت فيها الإحن وتتابعت عليها الفتن إلا يوم ضاع الحياء، فارتكبت المحرمات وفعلت الرذيلة وأقصيت الفضيلة بدعوى الحضارة والتمدن وهل ضيعت الصلاة وعطلت أحكام الدين إلا يوم قل الحياء من الله وابتعد الناس عن الدين؟ وهل تساهل الناس بصلاة الجماعة إلا يوم قل الحياء، فقال صلى الله عليه وسلم “من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر ” وإذا نظرنا إلى كلمة الأمانة فإننا سنجد فيها معني الأمان والاطمئنان، فكأن الأمن والطمأنينة والراحة والاستقرار مرهونة كلها بتحقيق الأمانة على وجهها الصحيح، فلا يمكن أن يأمن ظالم ولا يهدأ عاصي ولا يسعد خوان ولا يفلح منافق ولا يصلي متلفت، وفي حين أن القرآن الكريم قد ذكرت فيه الأمانة في مواضع كثيرة فإنه في الوقت نفسه قد جاء التحذير من ضدها وهي الخيانة.
فقال الله تعالى كما جاء في سورة الأنفال ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” وكما قال تعالي في سورة يوسف ” وأن الله لا يهدي كيد الخائنين” وكفى بالخيانة شرا وقبحا ومقتا أنها سبب في دخول جهنم وبئس المصير من خلال ما ضرب الله لنا مثلا بامرأتين من نساء الأنبياء والرسل، فقال تعالي كما جاء في سورة التحريم “وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين” أي خانتاهما في الدين، وكانتا تدلان أقوامهما بمن يؤمن مع أزواجهما، ولقد وضح لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه لا دين لمن لا أمانة له ولا عهد له ولا صلاة له وعندما سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعه؟
فقال أذا ضيعت الامانه فأنتظر الساعه، والأمانة بمفهومها الواسع الذي أرادها الله لها وأرادها رسوله صلى الله عليه وسلم ضد الخيانة بمفهومها الواسع الذي نهى الله ورسوله عنها، لتكون الأمانة في كل ما افترض الله على العباد في الدين والأعراض والأموال والعقول والأنفس والمعارف والعلوم والولاية والحكم والشهادة والقضاء والأسرار والحواس الخمس ونحو ذلك، فهي كما قال القرطبي رحمه الله تعم جميع وظائف الدين ثم إنه لا يمكن أن يكون الأمين أمينا إلا إذا كان عافا عما ليس له به حق مؤديا ما يجب عليه من حق لغيره، حريصا على حفظ ما استؤمن عليه غير مفرط به، فإن من اجتمعت فيه هذه الركائز فهو في دائرة المفلحين الذين قال الله عز وجل ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” والأمانة لم تكن بدعا من التشريع الإسلامي المحمدي فحسب.
بل هي من أبرز أخلاق الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام فهؤلاء أنبياء الله عز وجل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب كل واحد منهم قد قال لقومه كما جاء في سورة الشعراء” إني لكم رسول أمين” ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يُعرف في قومه إلا بالصادق الأمين، وقد جعل الباري جل شأنه هذه الصفة للروح الأمين جبريل عليه السلام، في قوله تعالي ” نزل به الروح الأمين” ولقد قصرت أفهام الكثيرين عن معنى الأمانة فحصروها في حفظ الودائع المالية والمادية فحسب، وضيقوا بهذا الفهم واسعا في حين إنها ليست إلا لونا من ألوان الأمانة التي تتعدد وتتجدد، فالقيام بالواجب أمانة، وترك المنهي عنه أمانة، والأمر بالمعروف أمانة، والنهي عن المنكر أمانة، والحكم أمانة، ورعاية حقوق الأمة أمانة، والعلم أمانة.
الدكروري يكتب عن الأمانة بمفهومها الواسع