الدكرورى يكتب عن النبي يقيم سنوات محظورا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكرورى يكتب عن النبي يقيم سنوات محظورا
لقد حرص الإسلام على أداء الأمانة في كل عمل، في العبادات والمعاملات، وفي البيع والشراء، وفي الوظائف والأعمال وتولى المناصب، وفي التعامل الأسري وتربية الأولاد، وحتى في معاملة غير المسلم لا بد أن يتخلق المسلم بالأمانة وقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان فقال تعالي في سورة المؤمنون ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” وقال القرطبي رحمه الله ” والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال” ولقد أجمعت قريش أمرها على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع أبو طالب بني هاشم مؤمنهم وكافرهم، وأخبرهم بمكيدة قريش، فتحركت فيهم حمية الدم والنسب، فقرروا أن ينحازوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في شعب بمكة يقال له شعب أبي طالب.
وانحاز معهم حمية أيضا بنو المطلب بن عبد مناف، ورأت قريش هذه الحمية والمنعة، فعرفت أن دون ذلك دماء وأشلاء ورؤوسا ونفوسا، فقررت قريش معاقبة هذه الفئة المسلمة المارقة ومن تعاطف معها، فاجتمع رؤساؤهم في خيف بني كنانة ويسمى اليوم بالمعابدة، اجتمعوا على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب اقتصاديا واجتماعيا، وكتبوا في ذلك كتابا ألا يزوجوا إليهم ولا يتزوجوا منهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم شيئا، ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلقت هذه الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة تأكيدا على التزام بنودها، وكان الذي كتب هذه الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فشلت أصابعه، وهو أسلوب يلجأ إليه العدو عندما لا يتمكن من مقابلة الحجة بالحجة.
أو المواجهة، وهدفه من ذلك القضاء على المسلمين، أو إنزالهم عند شروطه الظالمة، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، لأن المسلمين يستمدون قوتهم من الله تعالى، وهم يتمسكون دائما بالصبر والثبات على الحق، كما ثبت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمام هذه المقاطعة وغيرها، وسارع المشركون في تطبيق هذا الحصار عمليا، فلم يتركوا طعاما يدخل مكة ولا بيعاً إلا بادروا فاشتروه بأضعاف ثمنه؛ حتى لا يشتريه بنو هاشم ولا يبيعونهم شيئا مما عندهم أبدا، وهكذا قل الطعام، ونقص الزاد، وجهد المسلمون وأقاربهم وحلفائهم من هذا الحصار والتضييق الاقتصادي، وأما أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فقد وقف موقفا عظيما شريفا في حماية النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يبيت الليل مستيقظا، يحمل سلاحه.
ويطوف في الشعب مع جماعة من بني هاشم، ثم ينامون النهار، وكان أبو طالب يأمر حمزة والعباس أن يرابطا على مدخل الشعب ليرصدا تحركات المشركين، خوفا من غدره أو غيلة تستهدف حياة ابن أخيه، بل بلغ من خوفه وحرصه على حياة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام على فراشه، ويأمر أحد بنيه أن ينام مكان النبي صلى الله عليه وسلم، ومضت الأيام والأشهر، وحال المسلمين المحاصرين يزداد من سوء إلى أسوء، وعم الجوع بين أهل الشعب، وندر الكلام، وقلت الحركة، وكان يسمع من وراء الشعب أصوات النساء والصبيان يتضاعون من الجوع، وبلغ بالناس من الخماصة شيئا لا يكاد يصدق حتى أكلوا كل ما يمكن أكله.