الرئيسيةمقالاتحين يطول ليل المظلوم
مقالات

حين يطول ليل المظلوم

حين يطول ليل المظلوم

حين يطول ليل المظلوم

 

بقلم/نشأت البسيوني 

 

هناك ليال لا تشبه غيرها ليال تتحول فيها السماء إلى سقف منخفض ويشعر المظلوم أن الهواء من حوله أثقل مما يحتمل تلك الليالي التي لا يسمع فيها أحد صوته ولا يرى أحد العمق الذي يسقط فيه يمشي كأنه فوق الأرض بينما روحه تنحدر في مكان آخر لا يعرفه إلا هو الظلم لا يبدأ بضربة بل يبدأ بنظرة نظرة تحمل حكما لم ينطق واتهاما لم يحدث وجرحا لا يظهر على الجلد لكنه يظل 

نابضا في الداخل بعض الظلم يحدث بكلمة صغيرة وبعضه يحدث بصمت أطول من العمر كله والمظلوم مهما حاول أن يتماسك يشعر أن جزءا منه يسحب بعيدا ولا يعود كما كان الأصعب أن الظلم لا يأتي من الغرباء الغرباء لا يؤذون القلب ولا يدخلون إليه أصلا القسوة الحقيقية تأتي من الذين وثق بهم القلب الذين ظن أنهم حصنه حين يتحول القريب إلى يد تدفعك للسقوط يختلف كل 

شيء يظل السؤال يلاحقك هل كنت أعمى أم أن الناس تغيرت فجأة أم أن الطيبة كانت نقطة ضعف استغلها الجميع يمشي المظلوم كأنه عائد من معركة لم يرها أحد لم يحمل سلاحا لكنه خرج بجراح لا يفسرها الطب هناك ألم لا يقال ألم يعيش في المسافة بين كلمة قيلت يوما وخذلان حدث في لحظة واتهام سقط على الروح كالحجر ومن عجيب الدنيا أن من يؤذيك لا يشعر بشيء 

بينما أنت تحمل أثر الضربة لسنوات الظلم لا يحاول قتل الإنسان فقط بل يحاول تغيير ملامحه يجعل ابتسامته أضيق وصوته أهدأ ونظراته أكثر حذرا يصبح المظلوم شخصا جديدا ليس لأنه يريد بل لأن الجرح أجبره البعض يظن أنه أصبح أكثر صمتا بينما الحقيقة أنه أصبح أكثر وجعا والبعض يظن أنه أصبح أقوى لكنه يعرف جيدا أنه فقط تعلم كيف يخفي الوجع في أماكن لا يصل إليها أحد ومع 

ذلك هناك شيء غريب يحدث في قلب المظلوم رغم الانكسار يبقى فيه ضوء صغير لا ينطفئ ضوء يعيد إليه القدرة على الوقوف مهما طال السقوط لعلها فطرة أو صدق نية أو دعوة في ليل بعيد لم يسمعها أحد لكنه يعود يعود كل مرة حتى ولو عاد ببطء شديد فالمظلوم لا يسقط كما يسقط الظالم ولا يتعثر كما يتعثر القاسي لديه شيء يشبه الحماية الخفية كأن الله وضع في صدره بابا لا 

يفتحه إلا من عرف معنى الانكسار أما الظالم فيظن أن الأمور انتهت عند حد ما فعله يظن أن ما فعله سيمر وأن الأيام لن تعود لكنه لا يعرف أن الظلم ليس فعلا عابرا بل دينا مؤجلا وأن للقدر طريقة غريبة وهادئة في إعادة الأمور لأصحابها قد لا يحدث اليوم ولا غدا لكن يحدث حين يظن أن الحياة استقرت في لحظة واحدة يفقد ما ظن أنه ثابت ويرى نفسه في المكان الذي دفع إليه غيره حينها فقط 

يفهم وحينها فقط يشعر لكن بعد أن يكون الوقت قد تأخر عليه وحده المظلوم لا ينتقم ينتظر والخطأ الأكبر أن يعتقد الظالم أن الانتظار ضعف الانتظار قوة صبر حكمة وبكاء لا يراه أحد الانتظار هو معرفة عميقة بأن السماء لا تتجاهل وأن الأثر لا يضيع وأن العدل الذي يتأخر يكون أقوى من العدل الذي يأتي بسرعة وفي نهاية الطريق يعود المظلوم إليه كما يعود الليل إلى الفجر متعبا لكنه 

واقف موجوعا لكنه أصدق مهزوما من الخارج لكنه أقوى بكثير في الداخل لا يحمل حقدا بل يحمل أثر تجربة جعلته يفهم العالم أكثر مما يريد وأما الظالم فيعود إلى نفسه خائفا يبحث عما فقد ولا يجد شيئا لأن الظلم مهما بدا كبيرا هو بداية النهاية لمن فعله وبداية القوة لمن وقع عليه هكذا يمضي الليل وهكذا يخرج الصباح وهكذا يمشي المظلوم ينهض يواصل يكبر ويترك الأيام تتكفل بالباقي. 

حين يطول ليل المظلوم

حين يطول ليل المظلوم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *