
لا يطفئ نوره في الدنيا والآخرة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الحكيم الرءوف الرحيم الذي لا تخيب لديه الآمال، يعلم ما أضمر العبد من السر وما أخفى منه ما لم يخطر ببال، ويسمع همس الأصوات وحس دهس الخطوات في وعس الرمال، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلي عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد روى عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروّح أي ليستريح عليه إذا ملّ ركوب الراحلة أي البعير، وعمامة يشد بها رأسه، فبينا هو يوما على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي، فقال ألست ابن فلان بن فلان؟
قال بلى، فأعطاه الحمار، وقال اركب هذا، والعمامة، قال اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه غفر الله لك أعطيت هذا الأعرابي حمارا كنت تروّح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك، فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي وإن أباه كان صديقا لعمر ” رواه مسلم، وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال قدمت المدينة، فأتاني عبدالله بن عمر فقال أتدري لم أتيتك؟ قال قلت لا، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه بعده ” وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وود، فأحببت أن أصل ذاك” وإن من الأمور المعينة على بر الوالدين هو الإستعانة بالله تعالى وذلك بإحسان الصلة به سبحانه وتعالي عبادة ودعاء.
وإلتزاما بما شرع لكي يوفق الله العبد ويعينه على بر والديه، وأيضا إستحضار فضائل بر الوالدين وعواقب العقوق فإن معرفة ثمرات البر وإستحضار حسن عواقبه من أكبر الدواعي إلى فعله، وكذلك النظر في عواقب العقوق، وما يجلبه من غم وحسرة وندامة، وكل ذلك مما يعين على البر، ويبعد العبد عن عقوق والديه، وكذلك إستحضار فضل الوالدين على الإنسان، فهما سبب وجوده في هذه الدنيا، وهما اللذان تعبا من أجله، وأولياه خالص الحنان والمودة، وربّياه حتى كبر، فمهما فعل الولد معهما فلن يستطيع أن يوفيهما حقهما فإستحضار هذا الأمر مدعاة للبر، وكما أن صلاح الآباء، هو سبب لصلاح أبنائهم وبرهم بهم، وكما أن من الأمور المعينة على بر الوالدين هو التواصي ببر الوالدين وذلك بتشجيع البررة، وتذكيرهم بفضائل البر، ونصح العاقين، وتذكيرهم بعواقب عقوق الوالدين.
وكما أنه ينبغي أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين، فهل يسرّك أيها الولد غدا إذا أصابك الكبر ووهن العظم منك، واشتعل الرأس شيبا، وعجزت عن الحركة أن تلقى من أولادك المعاملة السيئة؟ وكما أن من الأمور المعينة على بر الوالدين هو قراءة سير البارين بآبائهم والعاقين لهم فسير البارين مما يساعد على البر، وقراءة سير العاقين وما نالهم من سوء المصير تنفر عن العقوق، وتبغض فيه، وتدعو إلى البر وترغب فيه، وإن من ثمرات بر الوالدين هو أن بر الوالدين من كمال الإيمان وحُسن الإسلام، وأن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، وأن بر الوالدين طريق موصل إلى الجنة، وأن بر الوالدين يؤدي إلى البركة في المال والذرية، وأن بر الوالدين رفع لذكر العبد في الدنيا والآخرة، وأن من برّ آباءه برّه أبناؤه، والجزاء من جنس العمل، وأن بر الوالدين يفرّج الكرب، ويشرح الصدر، وأن من حفظ ودّ أبيه، فإن الله تعالى لا يطفئ نوره في الدنيا والآخرة.