الدكروري يكتب عن أعظم ما دعا إليه الإسلام
الدكروري يكتب عن أعظم ما دعا إليه الإسلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من تأمل في مخلوقات الله عز وجل ونظر إلي السماوات والأرض والجبال وكل ذلك علم قوةَ الله وعظمته، وجلالَه وغناه عن خلقه، فله وحده الكبرياء والعظمة، ولا شك أن ذلك يثمر في القلب الخوف من الله ومراقبته في الأوامر والنواهي، كما يفيض على القلب رهبة وخشوعا وخضوعا تزدان به عبادة المرء، ويقول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم “أذن لي أن أحدث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام” ومع هذا فإن الملائكة الكرام ” لا يستكبرون عن عبادته ولا يستخسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون” ويقول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم.
” أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملَك واضع جبهتَه ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله” وإذا كان هذا هو حال السموات والأرض والجبال، وحال الملائكة مع قوتهم وعظيم خلقهم، فكيف بالعبد الضعيف؟ فإن الإسلام يحرر العقل، وهذه بلا ريب نعمة عظيمة، كأن أول ما يميز الإنسان عن سائر الحيوانات هو أن الله تعالى منحه العقل ليفكر به، ويتأمل فى نفسه وفى آيات الكون من حوله، ويتعلم ما يمكن تعلمه، بأدواته المختلفة من السمع والبصر والفؤاد، لذلك كان تحرير هذا العقل الذى هو المنحة الكبرى للإنسان.
من كل ألوان الأسر والرق والحجر عليه، والحجب له عن التفكير الحر، والتعلم المستقل، والبحث الدؤوب، هو من أعظم ما دعا إليه الإسلام فى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفى أصوله الفكرية والدينية، ولقد عاب الله تعالي على المشركين اتباعهم للظن في تكوين العقائد التي لا يغني فيها إلا اليقين القائم على البصيرة والبرهان فيجب علينا التحرير العقلى من أسر التقليد، وأول التحرر من القيود التقليدية، هو قيد التحرر من اتباع الآباء والأجداد، فكثيرا ما وقف هذا الحاجز دون الاستماع والإنصات الحق إلى دعوات أنبياء الله تعالى ورسله، فيما جاؤوا به من البينات والهدى للناس، فتجد نبى الله هود عليه السلام يدعو قومه إلى التوحيد.
وترك ما هم عليه من بطر وتجبر وتظالم، متكلما معهم بالحسنى، فما كان منهم إلا أن قالوا له كما جاء فى سورة الأعراف ” أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان عليه آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين” وكذلك وقف الكثيرون من الأقوام المختلفة مثل هذا الموقف الغبى من رسل الله إليهم، ومنهم مشركو العرب، حين جاءهم خاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى توحيد الله، والشهادة له بالرسالة، وتبنى مكارم الأخلاق التى جاء بها من ربه، فرفضوا هذه الدعوة الخيّرة البصيرة، كما حكى عنهم القرآن الكريم فى سورة المائدة ” وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون”
وبهذه المناقشات العقلية المضيئة والمنيرة يخاطبهم القرآن الكريم، ليعمل على زحزحة هذه العقول الجامدة، كأنها الحجارة أو أشد قسوة، فلم يسلموا إلا بعد مشوار طويل، سقط فيه من سقط، ونجا فيه من نجا، فالتقليد الأعمي يسبب تعطيل السمع والبصر والفؤاد وينزل بالإنسان من أفق الإنسانية العاقلة إلى حضيض البهيمية الغافلة، بل يجعل الإنسان أضل سبيلا من الأنعام لأنها لم تؤت ما أوتى من قوى التمييز والإدراك، فكان جديرا أن يكون من حطب جهنم كما أخبر الله عز وجل، وصدق فيهم قول الله عز وجل فى سورة الأعراف “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون”