الدكروري يكتب عن تعامل الدين مع العقل بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكروري يكتب عن تعامل الدين مع العقل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الدين تعامل مع العقل تعاملا واقعيا فاعترف بقصوره، وحث على تكميله ولهذا جاء الحث على الشورى، والنصح بين الناس، بل وأرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب لهدايتهم إلى تفاصيل ما لا تهتدي إليه العقول، والعجيب ظهور فئة من الناس، تدعو إلى إعمال العقل في أمور الدين والدنيا، وترك نصوص الشرع من الكتاب والسنة، مع أنه لا تعارض بين صريح النقل وصحيح العقل، لكنهم أرادوا من هذا العقل الذي يغفل وينسى، ويضعف ويسهى أن يحيط بجميع أمور الإنسان، وأن يكون له الكلمة الفصل في أمور الدين والدنيا والغيبيات وغير ذلك، فقاد ذلك البعض إلى ترك النصوص الشرعية بحجة أنها لا تتوافق مع العقل حسب زعمهم، وقال بعض أهل العلم إن العقل البشري مهما كان مبلغه من الذكاء.
وقوة الإدراك قاصر غاية القصور وعاجز غاية العجز عن معرفة حقائق الأشياء فهو عاجز عن معرفة النفس الإنسانية ومعرفة النفس لا تزال من أعقد مسائل العلم والفلسفة، وهو عاجز عن معرفة حقيقة الضوء، والضوء من أظهر الأشياء وأوضحها، وعاجز عن معرفة حقيقة المادة، وحقيقة الذرات التي تتألف منها، والمادة ألصق شيء بالإنسان، وقال ابن القيم رحمه الله”لا ريب أن البصر يعرض له الغلط ورؤية بعض الأشياء بخلاف ما هي عليه ويتخيل ما لا وجود له في الخارج فإذا حكم عليه العقل تبين غلطه” ومع تكريم دين الإسلام للعقل واهتمامه به وصيانته له إلا أنه حد للعقل حدودا، هي كل ما يستطيع أن يستوعبه ويفهمه حسب قدرته، فقال عليه الصلاة والسلام.
“لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل “آمنت بالله” رواه مسلم، وقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى” وهو صـرف الجواب عن ماهيتها حتى لا يتيه العقل فيما ليس يدركه، وليس من طاقته، وهذا لا شك تكريم وأي تكريم لعقل الإنسان، ولذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم لا يخوضون فيما لا يستطيعون دركه ومعرفته، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ على المنبر قول الله تعالى ” وفاكهة وأبا ” فقال “هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبا؟” قال “الأبا هو المرعى وكل ما أنبتت الأرض مما تأكله البهائم كالكلأ والعشب” ثم رجع إلى نفسه فقال “إن هذا لهو التكلف يا عمر”
ويقول أحد الفلاسفة “يجب على العقل أن يقف في تصوره عند حد التجربة الحسية إذ لا يمكن لأفكارنا أن تمتد إلى الأشياء في أنفسها، فإذا ما حاولنا أن نعرفها بنفس الوسائل التي تعرف بها الظواهر، أي الزمان والمكان والسببية وغيرها، تورطنا في التناقض والخطأ” إضافة إلى أن العقل مطالب بالتسليم للنص الشرعي الصريح ولو لم يفهمه، أو يدرك الحكمة التي فيه لأن الشارع نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر، فلا حجة لأحد بعد بيانه، كما ذكر ابن تيمية رحمه الله مستدلا على ذلك بآيات كثيرة، منها قول الله عز وجل فى سورة التوبة “وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم” ومهما ابتكر عقل الإنسان من اختراعات وحل من مشكلات معقدة وكبيرة.
إلا أنه قاصر وله حدود يجب أن يتوقف عندها فقد لا يستطيع أن يفسر الكثير من الغيبيات التي اختص الله بها نفسه، وقد لا يستطيع أن يعرف من علل الأحكام والتشريعات إلا القليل، ولأن هذا القصور يصاحب العقل، فلم يتركه المولى سبحانه وتعالى يتخبط دون هداية فأرسل لأجل ذلك الرسل، وأنزل الكتب.