الذكي الفؤاد المتوقد
الذكي الفؤاد المتوقد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد نهى ديننا الحنيف عن ضرب الحريم كما يحدث من بعض الجاهلين وقال صلى الله عليه وسلم لمن يفعل ذلك ” علام يجلد أحدكم امرأته جلد العبيد، ثم يجامعها في آخر اليوم” أي هل هذا يليق بعمل الأحرار، فنهى عن الضرب على الرأس، والضرب على الوجه، والضرب في الأماكن الحساسة، ولم يُبح الضرب للطفل الذي يتعلم إلا على اليدين، أو على القدمين، وجعله آخر الدواء، وليس أول الدواء، لأنك إذا استخدمت آخر الدواء ولم ينفع، فماذا تستخدم بعد ذلك؟ ولكنه استخدم التشجيع مع أبناء الصحابة، والحافز مع أبناء إخوانه، وكان يشجعهم ويثني عليهم ويحضر سباقاتهم، ويوزع الجوائز عليهم، ليعلمنا بشرعه الشريف.
وخلقه المنيف أن هذا دين تكريم الإنسان، ولذلك فقد نهى عن صلب أي إنسان، ولو كان مخالفا لنا في الديانة، ونهى عن التمثيل بإنسان ولو قبضنا عليه في ميدان القتال، وإن الشهم هو الذكي الفؤاد المتوقد، الجَلد، والجمع شهام، وقيل الشهم معناه في كلام العرب، الحَمول، الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حَمولا، طيب النفس بما حمل، وقيل بأن الشهامة هي الحرص على الأعمال العظام توقعا للأحدوثة الجميلة، وقيل الشهامة هي الحرص على الأمور العظام، توقعا للذكر الجميل عند الحق والخلق، وقيل هي عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل، فالمسلم الحقيقي فيه هو من سلم الناس من لسانه ويده.
والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم، ولما سئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن امرأة صوامة قوامة غير أنها تؤذي جيرانها، فقال صلى الله عليه وسلم “هي في النار، وهو القائل صلى الله عليه وسلم “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن” قالوا من يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم “من لا يأمن جاره بوائقه” ويقول صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت” متفق عليه، وإن الإسلام دين يحفظ للإنسان كرامته، فينهى عن الغيبة والنميمة والتحاسد والتباغض والاحتقار.
وسوء الظن فإنه دين عظيم، فالإسلام دين لا يعرف الغدر، فقيل في عصر الخليفة الراشد عمر بن العزيز رضي الله عنه عند فتح سمرقند على يد قائد عظيم قتيبة بن مسلم، بدأت المحاكمة؟ ونادى الغلام ياقتيبة هكذا بلا لقب، وهو القائد الفاتح العظيم فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جميعهم، وقال القاضي ما دعواك يا سمرقندي؟ قال اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا فالتفت القاضي إلى قتيبة وقال وما تقول في هذا يا قتيبة؟ فقال قتيبة الحرب خدعة، وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية، فقال القاضي يا قتيبة.
هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ فقال قتيبة لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك، فقال القاضي أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدلـ ثم قال قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تترك الدكاكين والدور، وأن لا يبقى في سمرقند أحد، على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك، فلم يُصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع.
وغبار يعمّ الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا، فقيل لهم إن الحكم قد نفذ وأن الجيش قد انسحب، في مشهد تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به، وما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاء يُسمع في كل بيت على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجا، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.