المقالات
الدكروري يكتب عن المواساة ساعة الشدة
الدكروري يكتب عن المواساة ساعة الشدة
- بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خلق المواساة في الزاد المأكول، والظهر المركوب، وهما أهم ما يحتاج إليه الإنسان، وذكر أصنافا أخرى حتى رسخ في مفهوم الصحابة رضي الله عنهم أن ما زاد عن حاجتهم واسوا به غيرهم، ولم يدخروه لأنفسهم، وذات مرة رأى في الناس حاجة وكان وقت الأضاحي فنهاهم عن ادخار اللحم لأكثر من ثلاثة أيام، وما ذاك إلا ليواسوا غيرهم بما زاد عن حاجتهم ثلاثة أيام، ثم في العام القابل استغنى الناس فرخص لهم في ادخار اللحم كيف شاءوا، وفي هذا فائدة مهمة وهي أن الناس إذا ضربتهم حاجة كانت المواساة متأكدة، وكان الادخار مكروها أو محرما بحسب الحال، والأثرة تجعل الناس يعكسون القضية؛ فإذا أحسوا بالحاجة ادخروا ما عندهم لأنفسهم ولو كان كثيرا، وتركوا المعدمين بلا مواساة.
فيُعاقبون بشح الموارد، واشتداد الحاجة، وذهاب بركة ما ادخروا، وكثير من المجاعات التي ضربت الناس عبر التاريخ كان الأغنياء فيها يدخرون عظائم المال، وخزائنهم مملوءة بالأقوات والخيرات، بينما الناس يتساقطون جياعا في الطرقات، فيعدم الأمن بسبب سطو الجوعى على بيوت الأغنياء ومخازنهم، فيخسر الجميع أقواتهم وحياتهم، ولو أن خلق المواساة وجد فيهم لشبع الجميع وأمنوا، فقد قال الله تعالى ” وابتغى فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغى الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين” فإنه أمرعظيم من أمور الإسلام، أمر حث عليه الله سبحانه في كتابه العزيز وأرشد إليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الكثير من أقواله وأفعاله، إنه مبدأ التكافل الاجتماعي، مبدأ تكاتف المسلمين بعضهم مع بعض.
مبدأ تفقد المسلمين بعضهم لبعض، مبدأ إعانة المسلمين بعضهم بعضا، فهذا المبدأ الذي كان من المفترض أن يتعامل به المسلم مع أخيه المسلم مهما ابتعدت بينهما الأجناس والأرحام أصبح وللأسف غائبا حتى بين من تربطهم الرحم والقرابة، فلا يدري بعضهم عن بعض شيئا، بل قد ترى إنسانا يكاد يتفجر من الغنى والأموال وأقرب الناس إليه تحت خط الفقر ولا يشعر نحوه بشيء فالله المستعان، ويتمثل التكافل الاجتماعي في التعاون بين المسلمين وتناصحهم وموالاة بعضهم لبعض، ويتمثل في مساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين بأن يساهم المسلمون في توفير حاجاتهم وتخفيف معاناتهم، ويتمثل أيضا في مساعدة الأيتام وكفالتهم، وفي مساعدة الأرامل وتوفير احتياجتهن إلى غير ذلك، ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في الكثير من آيات كتابه بهذا المبدأ العظيم مبدأ التكافل.
وحثنا على الإحسان إلى كل من يحتاج إلى ذلك، وهناك الكثير من الآيات الكريمة التي توجهنا إلى هذا المبدأ العظيم وهذا الخلق الكريم الذي يحفظ كيان المجتمع وكرامة أفراده، وحث أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر المهم، وكان أول العاملين به، وأرشد الأمة إلى هذا المبدأ مبينا لمكانته العظيمة من دين الله عز وجل، فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له” رواه مسلم، وهذا تحريك لشعور المسلمين وأحاسيسهم، حتى يتضامنوا ويتعاونوا على البر والتقوى، وحتى يحس من عنده شيء من فضل الله بمعاناة وشعور من ليس عنده فيعطيه مما عنده.
الدكروري يكتب عن المواساة ساعة الشدة