الدكروري يكتب عن أوصل الناس وأبر الناس وأكرم الناس
الدكروري يكتب عن أوصل الناس وأبر الناس وأكرم الناس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ما سمعت الدنيا بأوصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم أبناء عمه وأقاربه، أخرجوه من مكة، وطاردوه وشتموه وآذوه، وحاربوه في المعارك، ونازلوه في الميدان، قاموا بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية ضده، فلما انتصر صلى الله عليه وسلم ودخل مكة منتصرا، ووقفت له الأعلام مكبرة، عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر أمرا منه وشأن الفاتحين أن يبيدوا أعداءهم فقال ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال صلى الله عليه وسلم ” فاذهبوا فأنتم الطلقاء ” هذا أروع مثل يضربه إنسان لعشرين عاما عانى ما عانى من قريش، حروب وقتل وسفك دماء وتعذيب وإهانة فلما ملكهم وانتصر عليهم عفا عنهم، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، له ابن عم اسمه أبو سفيان بن الحارث، فيسمع بالانتصار.
وقد آذى الرسول صلى الله عليه وسلم، وشتمه، وقاتله، فيأخذ هذا الرجل أطفاله ويخرج من مكة، فيلقاه علي بن أبي طالب، يقول يا أبا سفيان إلى أين تذهب؟ قال أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعا وعريا والله إن ظفر بي محمد ليقطعني بالسيف إربا إِربا فيقول علي بن أبى طالب وهو يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأت يا أبا سفيان إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصل الناس وأبر الناس وأكرم الناس، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف ” تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين” وهو موقن بالقتل يأتي بأطفاله ويقف على رأس المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته” تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين”
فيبكي النبي عليه الصلاة والسلام وينسى تلك الأيام، وتلك الأعمال وتلك الصحف السوداء، ويقول ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” وأبو سفيان بن حرب ماذا يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟ يقول يا بن أخي ما أوصلك ؟ ما أرحمك ؟ ما أحكمك ؟ ما أعقلك ؟ وتأتي النبي صلى الله عليه وسلم أخته من الرضاعة وقد ابتعدت عنه عقودا عديدة ، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه أيضا، فتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام، والناس بسيوفهم بين يديه وهو يوزع الغنائم بين العرب، فتستأذن، فيقول لها الصحابة من أنت؟ فتقول أنا أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغربوا، فتقول أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية.
فيخبرون الرسول عليه الصلاة والسلام يتذكر القربى وصلة الرحم، ويقوم لها، وترك أصحابه وقام ليستقبلها، ليلقاها في الطريق ويرحب بها ترحيب الأخ لأخته بعد طول غياب، وبعد الوحشة والغربة، ويأتي بها ويجلسها مكانه، ويظللها من الشمس، فلك أن تتخيل رسول البشرية ومعلم الإنسانية ، ومزعزع كيان الوثنية يظلل عجوزا هي أخته من الرضاع من الشمس، يترك الناس وشؤون الناس ويقبل عليها ويسألها، ويقول لها يا أختاه كيف حالكم ؟ يا أختاه أتختارين الحياة عندي أو تريدين أهلك ؟ فتقول أريد أهلي فيمتعها بالمال ويعطيها مائة ناقة، ليعلمّ الناس معنى صلة الأرحام، وإن بعض الناس لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه، وهذا في الحقيقة ليس بصلة فإنه مكافأة.