الدكروري يكتب عن صاحب كتاب شرح صحيح مسلم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام النووين، وهو شيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمُحدّثين، وصفوة الأولياء والصالحين، وهو صاحب كتاب شرح صحيح مسلم، الذي يقول عنه الشيخ علي الطنطاوي وأما شرح مسلم فهو كتاب جليل، لا أعرف في الشروح أجلّ منه إلا شرح ابن حجر على البخاري، وقال ابن كثير إنه جمع فيه شروح من سبقه من المغاربة وغيرهم، وقال السخاوي وقد استدرك شيخنا يعني ابن حجر العسقلاني، على الشيخ مواضع كان غرضه إقرارها بالتأليف فما اتفق له، وكان شديد الأدب معه حتى سمعته مرارا يقول لا أعرف نظيره، أما أبوه فهو شرف بن مُري، كان دُكانيا بنوى، أي كان له دُكان يبيع فيها ويشتري، ووصفه تلميذ النووي علاء الدين بن العطار.
بقوله الشيخ الزاهد الورع ولي الله، وقال الذهبي وكان شيخا مباركا، ولما مات صلوا عليه صلاة الغائب، وهذا يدل على شهرة صلاحه، وقد عاش بعد وفاة ابنه تسع سنين وقد جاوز السبعين، وكان أبوه في دنياه مستور الحال، مباركا له في رزقه، فنشأ النووي في ستر وخير وبقي يتعيش في الدكان لأبيه مدة، كما يقول الذهبي ولما بلغ النووي من العمر سبع سنين، كان نائما ليلة السابع والعشرين من رمضان بجانب والده، فانتبه نحو نصف الليل، يقول والده وأيقظني، وقال يا أبتي، ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعا فلم نري كلنا شيئا، قال والده فعرفت أنها ليلة القدر، ولما بلغ النووي عشر سنين جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، وفي سنة نيف وأربعين وستمائة.
مر بقرية نوى الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، يقول الشيخ ياسين فوقع في قلبي محبته، فأتيت الذي يُقرئه القرآن فوصيته به، وقلت له هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي أمنجم أنت؟ فقلت لا، وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه إلى أن ختم القرآن، وقد ناهز الاحتلام، وقد مكث النووي في بلده نوى حتى بلغ الثامنة عشر من عمره، ثم ارتحل إلى دمشق، وقدم النووي دمشق إذ قدم به والده أبو يحيى وعمره ثماني عشرة سنة، وكانت مدينة دمشق محجّ العلماء وطلبة العلم من أقطار العالم الإسلامي.
وما كان يُرى أنه يمكن أن يستكمل عالم علمه ما لم يؤم إحدى عواصم العالم الإسلامي، وقمر هذه العواصم حينئذ دمشق وكانت فراسة الشيخ المراكشي في النووي، وبُدو النجابة عليه، واشتعال الرغبة فيه لطلب العلم، كل ذلك حدا بأبيه أن يصطحب ولده إلى دمشق ليأخذ العلم عن كبار علمائها، وكان أول ما اهتم النووي به بعد أن بلغ دمشق أن يصل حبله بأحد العلماء يلازمه ويقرأ عليه، ثم أن يجد له مأوى، ويظهر أن أول ما قصده عند دخوله دمشق جامعها الكبير، وكذلك كانت عادة الغرباء يؤمون قبل كل شيء المساجد.
صاحب كتاب شرح صحيح مسلم