المنعم وآثار بذل المعروف
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 14 نوفمبر 2023
المنعم وآثار بذل المعروف
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، أما بعد إنه كلما كان العبد
أكثر بذلا للمعروف، كان أكثر جنيا لثمراته، وتحصيلا لآثاره التي جمعت خيري الدنيا
والآخرة، فمن آثار بذل المعروف هو نيل رحمة الله وإحسانه وتوفيقه، ويقول النبي
صلى الله عليه وسلم يقول “ ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء” رواه البخاري،
ومن آثار بذل المعروف هو استدامة النعم لأن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة
أحب أن يرى أثرها عليه وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن لله قوما يختصهم بالنعم لمنافع العباد،
ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها، نزعها منهم، فحوّلها إلى غيرهم” رواه أبو نعيم،
والطبراني.
فأقوى ما تحفظ به نعم المال والجاه والقوة شكر المنعم عليها باصطناع المعروف بها،
وبذلها لمن يحتاجها، هذا عدا ما يناله من دعاء من بذل لهم معروفه، وصنع فيهم
صنيعته وإحسانه، ومن آثار بذل المعروف هو رد سوء المقادير في النفس والأهل
والولد والمال كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء” رواه الطبراني، ومن آثار بذل المعروف
هو تفريج كرب الدنيا والآخرة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة
من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر
مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”
رواه مسلم.
فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم
كلها رحمة، فهو رحمة، وشريعته رحمة وسيرته رحمة، وسنته رحمة، وصدق الله
إذ يقول فى سورة الأنبياء “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وإن الرسالة المحمدية
بجموعها رسالة إنسانية فقد جاءت لتراعي إنسانية الإنسان فيما تأمر به أو تنهي عنه
وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن الكريم وهو كتاب الله، وتدبرنا آياته،
وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه، كتاب الإنسان فالقرآن كله إما
حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان ولو تدبرنا آيات القرآن كذلك لوجدنا أن كلمة
الإنسان تكررت في القرآن ثلاثا وستين مرة، فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل بني آدم
التي ذكرت ست مرات.
وكلمة الناس التي تكررت مائتين وأربعين مرة في مكي القرآن ومدنيه
وكلمة العالمين وردت أكثر من سبعين مرة والحاصل أن إنسانية الإسلام تبدو
من خلال حرص الشريعة الإسلامية، وتأكيدها على مجموعة من القضايا المهمة،
ولعل من أبرز الدلائل على ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام محمد
صلى الله عليه وسلم خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة الإنسان في اثنتين منها،
ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان، وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه
الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه وقيمه الإنسانية، وكان خُلقه القرآن، نستطيع
أن نصفه بأنه الرسول الإنسان وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت العبادات
لاتأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان
من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها.