حرية الاعتقاد والإيمان
بقلم المفكر العربي على محمد الشرفاء
قال الله سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ) (الكهف: 29).
أمر الله لرسوله أن يبلّغ الناس أن لهم مطلق الحرية بالإيمان بما جاء به القرآن أو الكفر ببعضه أو كلّ آياته وهو الله سبحانه الوكيل بعباده، يحاسبهم كيفما شاء ولم يعيّن الله أحداً من خلقه رقيباً على عبادات الناس، وأداء فروض ما يعبدون والله سبحانه حينما كلّف رسوله عليه السلام بخطاب التكليف الإلهي بتبليغ رسالة الإسلام للناس بآيات القرآن الكريم يتلوها على الناس ويشرح لهم مقاصدها لمنفعة الناس ويعلمهم الحكمة، وما سيتحقق للإنسان من سعادة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة، إذا اتبع ما بلغه الرسول عليه السلام من شرعة الله ومنهاجه يسير بنورها في حياته الدنيا، تحصّنه من كل المعاصي والآثام وتيسر له الطمأنينة والأمان ويحيا حياة طيبة.
ولذلك ترك الله للناس حرية اختيار عقائدهم، دون إكراه كما قال الله سبحانه مخاطباً رسوله عليه السلام في خطاب التكليف الإلهي للناس : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99).
تلك القاعدة الأزلية التي أمر الله بها رسولَه أن يبلّغها للناس فهل من المنطق أن يتحدّى بعض شيوخ الدين بفتاوي يناقضون ما ورد في آيات الذكر الحكيم تعقيباً على ما ورد من الدكتور هاني تمام أستاذ الفقه بجامعة الأزهر بشأن من ينكر واقعة المعراج، فقد هدم عماد الدين، وأسأل فضيلة الشيخ ما يلي:
هل جاء في القرآن المجيد وصفُالمعراج بأنه (عماد الدين)؟.
هل بينّت آيات الذكر الحكيم مايعنيه وصف عماد الدين وما هي شروط عماد الدين حتى يلتزم بها المسلم؟
هل ذّكرت آية واحدة صراحةً بمعراج الرسول عليه السلام إلى السموات العليا؟.
هل حدّدت آيات القرآن الكريم أجندة الرحلة والقضايا التي سيتلقاها الرسول من رب العلمين؟.
إذا كان الله سبحانه قال في محكم كتابه مخاطباًرسولّه عليه السلام: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (الأعراف: 2)، وأن ما تعنيه الآية الكريمة أنّ الله سبحانه أنزل عليه بالوحي خطاب التكليف لينذرَ الناس ويبشّر المؤمنين.
خاطب الله رسوله عليه السلام بقوله: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام: 19).
تؤكد الآية المذكورة أعلاه في حوار الله مع رسوله عليه السلام يشهد الله بينه وبين قومه بأنّالله سبحانه أوحى إليه القرآن الكريم لينذر الناس، فإذا كان الرسول عليه السلام أقر بأن الله سبحانه أوحى إليه هذا القرآن الذي بين أيدينا محفوظاً حتى قيام الساعة فما هي المَهمّة الأعظم من الوحي الذي تنّزل على الرسول بآيات الذكر الحكيم ، بحيث يتطلب الأمر ضرورة (العروج إلى السماء) بعد اكتمال مَهمّة التنزيل عن طريق الوحي.
إن ما استنبطه بعضشيوخ الدين من بعض آيات سورة النّجم) إنما هو في غير محلّه ولا تعطي الآيات التي استنتجو منها قصة المعراج دليلاً مقنعاً لأي إنسان لديه ذرة من العقل والإيمان.
هل يعقل وهل من المنطق أن يحدث معراج الرسول إلى السماء العليا وهو حدث عظيم تهتز له المشاعر والعقول دون أن يذكر نص عنه في القرآن الكريم.
استند الكثيرين للأسف على روايات إسرائيلية، نسبوها للرسول ظلماً وعدواناً، حينما تحدثت الاسرائيليات عن لقاء الرسول بموسى عليه السلام في طريقه إلى الأرض وسأل موسى الرسول كم ركعة فٌرضت عليكم فأجاب فُرضت خمسون صلاة فأجابه موسى إرجع إلى ربّك وقل له: أٌمتى لا تستطيع أداء خمسين صلاة فرجع الرسول لربهِ واستجاب لتخفيض الصلوات إلى خمس، بالله عليكم يأهل العقول ويأيها العلماء هل من المنطق أن الله سبحانه الرحيم بعبادة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أن يحكم على لمسلمين بخمسين صلاةً وأن يتدخل موسى عليه السلام، لينصح الرسول محمد بمراجعة ربه في عدد الصلوات للأسف إنها مهزلة تبين تفاهة التفكير وقصور النظر وغياب العقل، يثبت اليهود بتلك الرواية الهايفة بأنَهم (ربحوا المسلمين جميلة) بفضل تلك الحدوثة أن لليهود بواسطة رسولهم موسى عليه السلام نصح الرسول محمد بأن يرجع إلى ربه لتخفيض عدد الصلوات على المسلمين، ويطلب من الله الرحمة بتخفيف عبء الصلاة على المسلمين من خمسين صلاةً في اليوم إلى خمس صلوات على المسلمين، السؤال المحيّر كيف استطاع اليهود بواسطة الاسرائيليات أن يحكموا زيفهم وتزويرهم في عقول المسلمين، وبصدقّ المسلمون تلك التفاهات، بمجرد أن وضعت عليها مصطلح حديث، وأتساءل هل أمتنا تستأهل ذلك الكتاب العظيم الذي يعلي مكانة العقل ويدعو للعلم والمعرفة ويأمر المسلمين بالبحث والاكتشافات في كل الكون، ويوظف كل النتائج بما يحقق مصلحة الإنسان، فكيف وصل بنا الحال إلى ان نكون في ذيل الأمم نقتات مما يرمونه من بقايا الطعام، هل تعرفون السبب هو ما بلغنا به الرسول عليه السلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً يشتكي قومه لله في قول الله سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30)، وشكوى الرسول نبأ استباقي مما علمه الله سبحانه بأن قومه سيهجرون القرآن وسيتبعون أقوالاً بشرية مزورة منسوبة للرسول باسم أحاديث، وبعد أكثر من مائتي عام بدأت قوى الشر تنفث سمومها في عقول المسلمين، وشاركهم بعض ولاة الأمر لحماية سلطانهم وتكاثرت الاقوال وتمادى المتقولون وتنافست قوى الشر ضد القرآن ليغيّبوا عقول المسلمين ويبعدوهم عن آيات الذكر الحكيم، التي تخشى قوى الشر عدم القدرة على العيش والحياة في ظل النور الإلهي الذي يحرق المجرمين والشياطين الكارهين الحياة الطيبة للناس.
وكلما حاول أهل الحق أن يبينواللناس بأن الله سبحانه أرسل خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد بن عبد الله ليهدي الحائرين إلى طريق الحق ويبعدهم عن طريق الضلال، يخرج عدد من الطوائف والفرق الضالة الذين سيطرت على عقولهم الإسرائيليات والخرافات والأوهام تحارب آيات الله وتقدم عليها روايات الشياطين ليطفئوا نور الله الذي حمله الرسول إلى الناس يهديهم إلى طريق الرحمة والعدل والإحسان والسلام، ويحرم قتل الإنسان ويحافظ على حرية عقيدة الإنسان ويحمي حق الإنسان في الحياة والامن والسلام، ماذا سيكون موقف الفرق الضالة بمختلف مسمياتها عندما يقفون أمام الملك الجبار ويسألهم سبحانه بقوله: (أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ (106) رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ (107) قَالَ ٱخۡسَـُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)) (المؤمنون: 105-108)، هكذا سيكون موقف الذين تمردوا على كلام الله الذي بلغهم به رسول الله واتبعوا المتقوّلين من البشر الذين لا يفقهون شيئاً ولا يعلمون ويوم يفاجئهم الأجل، يصف الله سبحانه تلك الحالة بقوله: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (الأعراف: 37).
إضافة لما سبق بشأن الخلاف الدائر منذ قرون والتساؤلات التي تتفاعل بين مصدّق بمعراج الرسول وبين مكذب، أما المصدّقون بفتاوي وتفسيرات شيوخ الدين الذين سلموا أمرهم لشيوخهم واعتبروهم في مستوى الرسول ما ينطقون عن الهوى فهم يصدقونهم في كل ما يفتون وما يحرّمون ويعتبرونهم وسطاء لهم يوم الحساب، سيفتحون لإتباعهم أبواب جنات النعيم، أما غير المصدقين وغير المقتنعين بمعراج الرسول فاتخذوا أمر الله لهم في التدبّر في آيات الله والتفكر فيها وسيلة آمنة يصلون بها للحقيقة فاستنتجوا مايلي :
( أ ) حدث عظيم على مستوى معراج الرسول لم يبيّن فيه القرآن نصاً صريحاً بمعراج الرسول.
(ب) نص القرآن على معراج الملائكة اليه بقوله: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج: 4).
(ج) ثم الأخذ بالأحوط في فهم آية النجم التي استند إليها المصدقون بعروج الرسول للسماء لنتخذها حلاً وسطاً تطبيقاً للقاعدة الإلهية في قوله سبحانه: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران: 7).
الخلاصة:
بما أنه لا يوجد نصّ في القرآن يتحدث صراحةً عن المعراج، فلم يضع الله حكماً على من لم يصدّق بحدوث القرآن ولا يعتبر ذنباً أو إثماً لكل من أنكر عدم حدوث المعراج ومن اعتقد بفتاوي شيوخ الدين وصدّق بمعراج الرسول فليس عليه ذنب يحاسبه الله عليه، فالله قادر على كل شيء، وليس لقدرته سبحانه حدود.
لذلك فالمصلحة الدينية تقتضي بإغلاق ملف المعراج إلى الأبد، فلا جدوى من إثارته في كلما حل وقت الإسراء بالرسول، وقد أمر الله المسلمين أن يتخذوا من القاعدة الأزلية التالية سبيلاً لغلق أبواب المجادلة والخلاف، كما قال سبحانه: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) آل عمران: 7).
فمن آمن بالله الواحد الأحد إلهاً واحداً لا شريك له وصدّق بالقرآن كتاب مبين دائم حتى قيام الساعة، وآمن بما جاء في آياته من شرعةٍ ومنهاجٍ والتزم بتطبيقها في حياته وشهد بأن محمداً عبد الله ورسوله وآمن بكل الرسل والأنبياء وملائكته وكتبه لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا ربنا وإليك المصير، فقد صدّق في إسلامه حتى أتاه اليقين فليحمد الله على ما أنعم عليه من نعمة الإيمان وسيكون من الفائزين في جنات النعيم.
اللهم اهدنا إلى الطريق المستقيم ولا تجعل الشيطان يوسوس في نفوسنا، يبعدنا عن الذكر الحكيم وأعنّا على التمسك بكتابك المبين، وأن تجعلنا من عبادك الصالحين آمين ياربّ العالمين