
شهر عظيم المكانة قديم الحرمة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله البعيد في قربه، القريب في بعده، المتعالي في رفيع مجده، عن الشيء وضده، الذي أوجد بقدرته الوجود بعد أن كان عدما، وأودع كل موجود حكما، وجعل العقل بينهما حكما، ليميز بين الشيء وضده، وألهمه بما علمه فعلم مرّ مذاق مصابه من حلاوة شهده، فمن فكر بصحيح قصده، ونظر بتوفيق رشده، علم أن كل مخلوق موثوق في قبضتي شقائه وسعده، مرزوق من خزائن نعمه ورفده، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، هو أول هو أخر هو ظاهر هو باطن ليس العيون تراه، حجبته أسرار الجلال فدونه تقف الظنون وتخرس الأفواه، صمد بلا كفء ولا كيفية أبدا فما النظائر ولا الأشباه، سبحان من عنت الوجوه لوجهه وله سجود أوجه وجباه وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه.
صلوا على هذا النبي الكريم تحظوا من الله بالأجر العظيم، وتظفروا بالفوز من ربكم وجنة فيها نعيم مقيم، طوبى لعبد مخلص في الورى صلى على ذاك الجناب الكريم وقد غدا من فرط أشواقه بحبه فـي كل واد يهيم، وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد إن في فاتحة شهور العام وهو شهر الله المحرم، إنه من أعظم شهور الله جل وعلا فهو شهر عظيم المكانة، قديم الحرمة، وهو رأس العام، وهو من أشهر الله الحرام، فيه نصر الله نبي الله موسى وقومه على فرعون وملئه، ومن فضائله أن الأعمال الصالحة فيه لها فضل عظيم، وخصوصا الصيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم،
وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” رواه مسلم، وأفضل أيام شهر الله المحرم هو يوم عاشوراء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم ” ما هذا اليوم الذي تصومونه؟” قالوا هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم ” نحن أحق بموسى منكم” فصامه وأمر بصيامه، وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عاشوراء فقال ” أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” الله أكبر فيا له من فضل عظيم لا يفوته إلا محروم، وقد عزم على أن يصوم يوما قبله مخالفة لأهل الكتاب، فقال صلى الله عليه وسلم ” لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع” رواه مسلم.
لذا فيستحب للمسلمين أن يصوموا ذلك اليوم اقتداء بأنبياء الله عز وجل، وطلبا لثواب الله تعالي، وأن يصوموا يوما قبله أو يوما بعده مخالفة لليهود، وعملا بما استقرت عليه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيا له من عمل قليل وأجر كبير وكثير من المنعم المتفضل سبحانه، وإن ذلك أيها الأحبة في الله لمن شكر الله عز وجل على نعمه، وإستفتاح هذا العام بعمل من أفضل الأعمال الصالحة التي يرجى فيها ثواب الله سبحانه وتعالى والكيّس الواعي والحصيف اللبيب يدرك أنه كسب عظيم ينبغي أن يتوج به صحائف أعماله، فيا لفوز المشمّرين، فاللهم أبرم لأمة محمد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء، اللهم أنصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.