الرئيسيةمقالاتالإيمان القلبي وليس الإقتناع العقلي
مقالات

الإيمان القلبي وليس الإقتناع العقلي

الإيمان القلبي وليس الإقتناع العقلي 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، ثم اما بعد، لقد أمرنا الله عز وجل بالتوكل علي الله تعالي، ولنا يا عباد الله أفضل الأسوة وأفضل الدروس في التوكل واليقين بالله فيما إبتلى الله به خليله إبراهيم عليه السلام، فاليقين بالله سبحانه والثقة به وبأوامره جعلت الخليل إبراهيم عليه السلام يضع زوجته وولده الرضيع في مكان مقفر مجدب لا ماء فيه ولا شجر ولا إنس، ثم يذهب بأمر الله سبحانه ويتركهما في هذا المكان، ويقين المرأة الصالحة بالله وتوكلها عليه جعلها ترضى كل الرضا بهذا، ولا تعترض ولا تتذمر ولا تشكو من هذا العمل الذي قام به زوجها عليه السلام، بل تسلم تسليم المخبتين الطائعين. 

ويروي الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما “إن إبراهيم عليه السلام جاء بها وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له آلله الذي أمرك بهذا، قال نعم، قالت إذ لا يضيعنا” فانظر إلى هذا القول الشافي الواثق، وإلى هذا الظن الحسن والثقة المتناهية بالله عز وجل، فهي كانت تنتظر من الخليل إبراهيم عليه السلام ردا واضحا، فما أن قال لها نعم، أي الله هو الذي أمرني بهذا وأنا أترككم له حتى قالت بكامل الثقة إذن لا يضيعنا. 

ما دمت قد تركتنا في عهدة من يعلم غيب السماوات والأرض ومن كل دابة في الأرض رزقها عليه ومن هو أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، إذن لا يضيعنا، فهذه هي قمة اليقين، وهذه هي ذروة التوكل يا عباد الله، أما كيف لن يضيعنا؟ أو بأي شيء سينقذنا؟ أو ماذا سيرسل لنا؟ هذا كله لا يهم، المهم أنه مادام الأمر من الله فإنه لن يضيعنا، لو نصل يا عباد الله إلى بعض هذا اليقين أو بعض هذا التوكل إذن لانقلبت حياتنا كلها سكينة وطمأنينة، ولرأينا في أحلك الظروف وأصعب الأوقات نافذة ربانية يشع منها النور، ولكن ضاع اليقين بالله وبموعود الله وبنصرة الله، فغاب التوكل وأصبحت حياة الإنسان جحيما، يفكر في الرزق، ويخاف من الغد، ويضخم الأمور، وتركبه الوساوس لأتفه الأسباب، رغم أنه غير مأمور بهذا الغم وهذا الهم وهذا التفكير، بل هو مأمور بعبادة الله عز وجل. 

والسعي في مصالحه قدر إستطاعته، مجتنبا ما حرم الله، ولكنه يترك كل هذا ويشقي نفسه رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبنا خطابا بليغا مبينا واضحا فيقول “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا” أي تخرج جائعة خالية البطون، وتعود ملآنة البطون، رواه الترمذي، وإن اليقين هو الإيمان القلبي وليس الإقتناع العقلي، فلا يكفي مثلا أن يقتنع العبد أن الله يجيب دعوة عباده اقتناعا عقليا من خلال النظر في الأدلة وخبر الوحي، بل ينبغي أن يتعدى ذلك إلى الإيمان القلبي الجازم بصدق وعد الله تعالى، ولليقين مراتب منها العلم وحسن التوكل والرضا والتسليم وعدم تعلق القلب بغير الله وأن يكون أوثق بما في يد الله تعالى عما هو في يده، اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر وجد أهل الخشية وطلبة أهل الرغبة وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم.

الإيمان القلبي وليس الإقتناع العقلي 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *