المقالات

أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع بين الإفراط والاعتدال في ضوء القرآن والسنة

أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع بين الإفراط والاعتدال في ضوء القرآن والسنة

محمود سعيد برغش

في عصرنا الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تُستخدم كأداة فعّالة للتواصل، التهنئة، التعزية، وحتى الدعاء للمريض. وعلى الرغم من الفوائد التي تقدمها، إلا أن الاستخدام المفرط لها أثّر سلبًا على العلاقات الاجتماعية الحقيقية وأدى إلى الانشغال عن الواجبات الأساسية. في هذا المقال، نستعرض أثر هذه الوسائل على المجتمع من منظور الإسلام، بين الإفراط والاعتدال، وكيف يمكن استخدامها بطريقة تعود بالنفع في ضوء تعاليم القرآن والسنة.

أولاً: السوشيال ميديا وسيلة للتواصل الإيجابي

وسائل التواصل الاجتماعي توفر فرصًا عظيمة للتقارب بين الناس، ونشر الخير والدعوة إلى الله. فهي وسيلة تُستخدم لنشر العلم، تقديم الدعم النفسي، ومساعدة المحتاجين. قال الله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2).
إذا تم توظيف هذه الوسائل في خدمة الأهداف النبيلة، فهي نعمة عظيمة من الله يجب شكرها واستغلالها فيما يُرضيه.

ثانيًا: إدمان وسائل التواصل وخطورته

مع كل هذه الفوائد، أدى الاستخدام المفرط لوسائل التواصل إلى ظهور العديد من المشكلات، أبرزها:

1. الانعزال الاجتماعي: يكتفي كثير من الناس بالتواصل الافتراضي، مما يقلل من التفاعل المباشر.

2. إضاعة الوقت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” (رواه البخاري).
أصبح كثير من المستخدمين يقضون ساعات طويلة دون فائدة، مما يضيع عليهم فرص استثمار الوقت في ما هو نافع.

3. الإضرار بالواجبات الأسرية: الانشغال المستمر بالسوشيال ميديا أدى إلى إهمال الحقوق الأسرية والاجتماعية، وهو ما ينافي تعاليم الإسلام.

ثالثًا: السوشيال ميديا والتهنئة والتعزية

أصبح من الشائع اليوم استخدام وسائل التواصل لتبادل التهاني، التعازي، والدعاء للمريض. وعلى الرغم من أن هذه الممارسات تظهر حسن النية، إلا أنها لا تعوض الزيارات المباشرة وصلة الأرحام. قال الله تعالى:
{فَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء: 86).

النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بصلة الرحم وأداء حقوق الآخرين بشكل عملي. قال: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها” (رواه البخاري).

لذا، على الرغم من الزحام والانشغال في الحياة اليومية، يبقى للقاءات الشخصية أثر عميق لا يمكن للسوشيال ميديا تعويضه.

رابعًا: النصيحة في الاستخدام الصحيح للسوشيال ميديا

1. ضبط الوقت: يجب تخصيص وقت محدد لاستخدام وسائل التواصل، وعدم السماح لها بالتأثير على الأعمال اليومية أو العبادات.

2. نية صالحة: يمكن تحويل استخدام السوشيال ميديا إلى عبادة من خلال نشر الخير، الدعوة إلى الله، وتقديم المساعدة.

3. التوازن: يجب أن يكون استخدام هذه الوسائل مكملًا للقاءات الواقعية، وليس بديلًا عنها.

4. التحقق من المحتوى: الابتعاد عن نشر الإشاعات أو ما يثير الفتنة، امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” (رواه البخاري).

الخاتمة

وسائل التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين؛ فهي نعمة إذا أحسنّا استخدامها، ونقمة إذا أفرطنا في التعامل معها. لا بد أن نتذكر دائمًا أن الإسلام دين التوازن والاعتدال، وحث على صلة الأرحام والتواصل الحقيقي. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” (رواه البخاري ومسلم).

أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع بين الإفراط والاعتدال في ضوء القرآن والسنة

فلنحرص على ألا تكون وسائل التواصل سببًا في فتور العلاقات أو الابتعاد عن الواجبات الدينية والاجتماعية. لنجعل منها وسيلة للتقارب، مع الحفاظ على قيمة التواصل الشخصي، فهو أصدق وأعمق أثرًا على القلوب.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار