
عرش إسرائيل والفرط صوتي
لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبي
شنت إسرائيل هجومها، على الأراضي الإيرانية، في فجر يوم الجمعة 13 يونيو، ونفذت ضربة استباقية، عندما استهدفت المنشآت النووية، في عملية عسكرية اطلقت عليها اسم “الأسد الصاعد”، بهدف منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
وقد قامت، في تلك العملية، باغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين، بالإضافة إلى اغتيال عشرون من القادة الإيرانيين، من بينهم، اللواء محمد باقري، رئيس أركان القوات الإيرانية، واللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، واللواء أحمد رضا ذو الفقاري، أستاذ الهندسة النووية، والأميرال علي شمخاني، مستشار الإمام خامنئي، بالإضافة إلى رئيس لجنة المفاوضات مع الولايات المتحدة، ومدير الاستخبارات الإيرانية، ونائب رئيس هيئة العمليات، وغيرهم.
وتمكنت الضربات الإسرائيلية، الأولى، من إصابة الدفاعات الجوية الإيرانية، وشبكات الإنذار والرادار، إلا أن ضرباتها ضد المنشآت النووية الإيرانية لم تكن بنفس القوة، حيث كانت إيران قد نجحت، خلال السنوات الماضية، في نقل المفاعلات النووية إلى الجبال، لذلك عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية منطقة نطنز، عاصمة المفاعلات النووية الإيرانية، لم تنجح في تدميرها، كما ظنت.
لا يمكن إنكار عنصر الخداع الاستراتيجي، في الهجوم الذي شنته إسرائيل، بمباغتة إيران بتوقيته، قبل يومين من موعد عقد جلسة المفاوضات السادسة، والتي كانت مُقررة يوم الأحد الموافق ١٥ يونيو، بين وفود كل من إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، في سلطنة عمان، للاتفاق على حل نهائي يضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، خاصة وأن الرئيس الأمريكي قد هدد بأن عدم التوصل إلى اتفاق، في ذلك اليوم، من شأنه اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إيران.
لذا توقع الساسة الإيرانيون، ومعهم القادة العسكريون في طهران، عدم قيام إسرائيل بأي عمل عسكري، إلا بعد يوم الأحد، على أسوأ تقدير. وهو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القيادة العسكرية الإيرانية، بعدم الالتزام بالمبادئ العسكرية، التي تفرض عليها الجاهزية للقتال، في أي وقت، دون النظر للاعتبارات السياسية، خاصة في مثل تلك الأوقات، التي يسودها التوترات والمشاحنات. كذلك خُدع الإيرانيون بإعلان الرئيس الأمريكي، ترامب، عن نُصحه لإسرائيل بعدم القيام بأي عمليات عسكرية ضد إيران، مثلما خُدعوا بالإعلان عن إقامة حفل خطوبة نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأسبوع القادم.
كل تلك العوامل أدت إلى اقتناع القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية، بأن إسرائيل لن تبادر بأي عمل عسكري، حتى فوجئوا في فجر يوم الجمعة بالهجوم الجوي الإسرائيلي. ومع حلول مساء ذلك اليوم، وبعدما عينت إيران قادة جدد، في المناصب الرئيسية، بدأت ردها بشن الضربة المضادة لإسرائيل، مستخدمة الطائرات المسيرة الإيرانية، والصواريخ من طراز “فتاح 1 و2″، المصنفة كصواريخ “فرط صوتية”.
ولمن لا يعرف، فإن مجال الأسلحة العسكرية يضم أنواع مختلفة من الصواريخ، منها الباليستية، التي يتم تصنيفها وفقاً لمداها، فمنها قصيرة المدى التي يبلغ مداها 1000 كيلو متر، ومتوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 1000 إلى 3500 كيلو متر، وفوق المتوسطة التي تصل مداها إلى 5500 كيلو متر، وأخيراً طويلة المدى، أو عابرة القارات التي تصل لأبعد من 5500 كيلو متر، ولا تتجاوز سرعة الصواريخ الباليستية 5 ماخ (أسرع من الصوت).
أما النوع الآخر من الصواريخ الموجودة بالترسانات العسكرية، فهو الصاروخ الفرط صوتي، الذي تبدأ سرعته من 5000 ماخ، وتصل في بعض الأحيان إلى 17000 ماخ، عند خروجه من الغلاف الجوي، كما يتميز بقدرته على مراوغة الدفاعات الجوية المعادية، عكس الصواريخ الباليستية التي تفتقد إلى تلك المرونة، إذ تخترق الصواريخ الفرط صوتية المجال الجوي، وتنطلق في الفضاء حتى تصل إلى أهدافها، وخلال تلك الفترة، لا يمكن كشفها أو التصدي لها.
وفي ردها، استخدمت إيران الصاروخ “فتاح 1 و2” الفرط صوتي، الذي يبلغ مداه 1400 كيلو متر، والقادر على تخطي كافة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، فأطلقتهم إيران باتجاه إسرائيل، التي تستخدم أربعة أنظمة للدفاع الجوي ضد الطائرات والصواريخ المعادية، وهي، القبة الحديدية، ومداها من 4 إلى 70 كيلو متر، ونظام مقلاع داوود، ومداه من 40 إلى 300 كيلو متر، ونظام السهم (آرو)، ويصل مداه حتى 2300 كيلومتر، فضلاً عن نظام “ثاد” الأمريكي، الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً لها.
كما استخدمت إيران تكتيكاً عسكرياً، فمع وصول الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية إلى الأهداف الإسرائيلية، كانت قد سبقها بدقائق وصول الطائرات الدرونز، فنجحت، بذلك، في تشتيت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، ولأول مرة يشعر سكان إسرائيل بالخوف والهلع، واندفعوا للهروب إلى الملاجئ تحت الأرض، وهم بالملابس الداخلية، بعد دوي صفارات الإنذار، وبدأت إسرائيل تتجرع طعم الإهانة أمام ضربات الصواريخ الفرط صوتية.
وفي ضوء التقدم الاستخباراتي الإسرائيلي، يبادرنا سؤال عن مدى علمها بامتلاك إيران لذلك النوع من الصواريخ الفرط صوتية، إلا أن المشكلة لم تكن في علمها، إذ تعلم إسرائيل بامتلاك إيران لتلك الصواريخ، مثلما تعلم قدراتها، إلا أن المشكلة كانت في ظنها على قدرة أنظمة دفاعاتها الجوية، القبة الحديدية ومقلاع داوود والسهم وثاد، على التصدي لتلك الصواريخ.
عرش إسرائيل والفرط صوتي
ورغم عدم حسم الأحداث حتى كتابة تلك السطور، وبصرف النظر عما ستؤول إليه، إلا أن أحد لا يمكنه إنكار أنها وضعت إسرائيل في أسوأ موقف، فمن ناحية شعبها مختبئ مذعوراً في الملاجئ، و”جيشها الذي لا يُقهر”، صار عاجزاً أمام الفرط صوتي الإيراني، رغم محاولات بس الطمأنينة وإظهار الثبات من خلال التصريحات الإعلامية.