الخبيئة الصالحة هي زينة العبد في خلوته
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل الشباب قوة، وزينة وفتوة، وزيّن بالثبات منهم من شاء، وحلى بالإستقامة منهم من أراد، أحمده سبحانه وأشكره والشكر له على جزيل نعمه، وعظيم مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى والنور، فلبّى دعوته شباب نفع الله بهم الإسلام وأمته، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، المتفانين في دعوته، والممتثلين لأوامره، والمجتنبين لنواهيه، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن القبر هو المقر وهو المستقر، تلكم الحقيقة التي قل من يتفكر فيها، ويأخذ بأسباب النجاة منها أن القبر الكل سيدخله وسيسكنه الصغير والكبير، والمريض والصحيح، والضعيف والقوي، والفقير والغني، نعم، إنها الحقيقة التي لا بد من معرفتها، والإيمان بها، والإستعداد لها.
فكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي، حتى يبل لحيته، فقيل له تذكر الجنة والنار، فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجو منه، فما بعده أشد منه” قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه” وإن الخبيئة الصالحة هي زينة العبد في خلوته، وزاده لآخرته، بها تفرج الكربات وتسمو الدرجات، وتكفّر السيئات، دافعها الإخلاص، ويزينها الصدق، يلفها الكتمان، يفعلها العبد بعيدا عن العيون والأنظار، في موقف إيماني صافي لا يشوبه طلب سمعة ولا شهرة، ولا تعلق بمدح وثناء ولا دافع رياء، وهي كنز من كنوز الحسنات، يوفق الله تعالي لها بعض عباده الصالحين الذين أخلصت قلوبهم لله تعالى.
فلا يستطيعها المنافقون ولا المراؤون، ورغّب فيها الإسلام لتكون للمؤمن فرجا عند الكربات، وطوقا للنجاة من النيران، وغرسا طيبا في فسيح الجنان، فنحن بحاجة إلى معرفة الله تعالي معرفة حقيقية لتزداد خشيتنا له، وخوفنا منه ورجاؤنا فيه، وتوكلنا عليه وقيامنا بحقوقه وتعظيمنا لشعائره ووقوفنا عند حدوده، فيا شيخا كبيرا احدودب ظهره ودنا أجله ماذا تنتظر؟ وماذا أعددت للقاء الله عز وجل؟ وكيف علاقتك بربك وصلتك به؟ فهل تجهزت للرحيل؟ ويا شابّا غره شبابه وطول الأمل ماذا تنتظر؟ وماذا أعددت للقاء الله سبحانه وتعالي؟ ويا من بدنياه اشتغل، وغرّه طول الأمل، الموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل، فقد يراك البعض تقيّا، وقد يراك آخرون فاسقا، وقد يراك آخرون عاصيا، ولكن أنت أدرى بنفسك.
فالسر الوحيد الذي لا يعلمه غيرك هو سر علاقتك بربك، فلا يغرك المادحون، ولا يضرك القادحون حيث قال الله تعالى ” بل الإنسان علي نفسه بصيرا ” ومن خطورة العيش بين الطاعة والمعصية أنك لا تدري في أي فترة منهم ستكون الخاتمة، فافعل الطاعة إخلاصا لا تخلصا، وحافظ على النفل تقربا لا تكرما فأنت أحوج إلى الطاعة وربك سبحانه غني عنها، فلا تجعل همك هو حب الناس لك، فالناس قلوبهم متقلبة، فقد تحبك اليوم وتكرهك غدا، وليكن همك كيف يحبك رب الناس فإنه إن أحبك، جعل أفئدة الناس تحبك، واعلم بأن الحرام يبقى حراما حتى لو كان الجميع يفعله، لا تتنازل عن مبادئك ودعك منهم فسوف تحاسب وحدك، ولذا إستقم كما أمرت، لا كما رغبت، وإجعل لنفسك خبيئة وسريرة، لا يعلمها إلا الله عز وجل.