في زحمة هذا العالم المتقلّب ، حيث تتقاذفنا المواقف بين شدٍّ وجذب ، تلوح لنا قاعدة ذهبية تختصر فلسفة العيش بكرامة : «لا تبتعد حدّ الفراق ، ولا تقترب حدّ الاحتراق».

هنا نابل / بقلم المعز غني
في زحمة هذا العالم المتقلّب ، حيث تتقاذفنا المواقف بين شدٍّ وجذب ، تلوح لنا قاعدة ذهبية تختصر فلسفة العيش بكرامة : «لا تبتعد حدّ الفراق ، ولا تقترب حدّ الاحتراق».
تلك المسافة الآمنة بين القلب والعقل ، بين العاطفة والحكمة هي ما يميز صاحب الخبرة الذي خَبَر الحياة ومكائدها ، وتعلّم أن من أقترب بلا وعي أحترق ، ومن أبتعد بلا تقدير خسر.
فالخبرة لا تصنعها السنوات وحدها ، بل تصقلها المواقف المريرة ، ويعلّمها الصبر على خيبات البشر.
وحده من يوازن بين القرب والبعد ، من يمنح بقدر ولا يفرط في ذاته ، يحفظ عزّة نفسه سليمة ، فلا يُذل قلبه ولا يفرّط بكبريائه.
عزّة النفس يا سادة ، تاجٌ لا يقدَّر بثمن ، وجاهٌ يفوق قصور الملوك وبريق عروشهم. هي التي تجعل الإنسان يمشي مرفوع الرأس ، ثابت الخُطى ، لا ينكسر أمام طمع أو خيانة ، ولا يبيع مشاعره في سوق المصالح الرخيصة.
فما أجمل أن تكون روحك عزيزة ، لا يطولها المتلاعبون ولا تُهدر في علاقات تستهلكك دون مقابل.
عش حياتك بهذه القاعدة : أقترب بوعي ، وأبتعد بحكمة ، ولا تسمح لأحد أن يطفئ وهجك أو يهدر قيمة قلبك.
ولتكن عزتك زادك في كل حين ، لأنها وحدها ما يبقى لك حين يخذلك الجميع .
وفي نهاية المطاف ، لا شيء يعادل راحة النفس وسلامة القلب . فكم من قلوبٍ أحتُرقت لفرط قربها ، وكم من أرواح إبتعدت ففقدت دفء الحياة.
لذا، كن أنت الذي يختار المسافة بينهما بعين الحكمة ، لا بعين العاطفة العمياء ، وتمسك بعزّة نفسك كأنها أغلى ما تملك لأن الحياة لا تُقاس بمدى قربنا أو بعدنا من الآخرين ، بل بمدى إحترامنا لأنفسنا وصدقنا مع ذواتنا.
فلتكن عزتك هي شعاعك في ظلمة الأيام ، وهي الحصن الذي يحميك من كل إحتراق وبذلك فقط ، تكون قد عشت حقاً لا كظلٍّ يتلاشى ، بل كروحٍ تضيء دروب الحياة بنور كرامتها.
——