الحمد لله رب المشارق والمغارب، خلق الإنسان من طين لازب،
ثم جعله نطفة بين الصلب والترائب، خلق منه زوجه وجعل منهما الأبناء والأقارب، تلطف به، فنوع له المطاعم والمشارب،
وحمله في البر على الدواب، وفي البحر على القوارب، نحمده تبارك وتعالى حمد الطامع في المزيد والطالب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر العواقب،
وندعوه دعاء المستغفر الوجل التائب، أن يحفظنا من كل شر حاضر أو غائب، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي الغالب، شهادة متيقن بأن الوحدانية لله أمر لازم لازب، أرأيت الأرض في دورانها كيف تمسكت بكل ثابت وسائب؟
أرأيت الشموس في أفلاكها كيف تعلقت بنجم ثاقب؟ أرأيت الرياح كيف سخرت فمنها الكريم ومنها المعاقِب؟ أرأيت الأرزاق كيف دبرت وهل في الطيور زارع أو كاسب؟ أرأيت الأنعام كيف ذللت وجادت بألبانها لكل حالب؟
أرأيت النحل كيف رشف رحيق الزهور فأخرج الشفاء مشارب؟ أرأيت النمل كيف خزن طعامه وهل للنمل كاتب أو حاسب؟
أرأيت الفرخ كيف نقر بيضه وخرج في الوقت المناسب؟ أرأيت العنكبوت كيف نسجت وفي الخيوط مصائد ومصائب؟ أرأيت الوليد كيف التقم ثدي الأم دون علم سابق أو تجارب؟
أرأيت الإنسان إذا ضحك؟ أرأيت كيف تثاءب؟ أرأيت نفسك نائما وقد ذهبت بك الأحلام مذاهب؟
إذا رأيت ذلك كله فاخشع فلا نجاة لهارب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسول الملك الواهب، ما من عاقل إلا علم أن الإيمان به حق وواجب،
سل العدول، وسل هل عابه في الحق عائب؟ وسل الشهداء عنه هل كانت له في الدنيا مآرب؟ وسل صناديد قريش في قليب بدر عن الصادق ومن الكاذب، سل السيوف، سل الرماح هل حملها مثله محارب، سل سراقة عن قوائم بعيره.
كيف ساخت في الصخر حتى المناكب، سل أم معبد كيف سقاها اللبن والشاة مجهدة وعازب، سل الشمس،
سل القمر عن نوره وضيائه إذ الكل غارب، سل النجوم متى صلت وسلمت عليه في المسارب، سل المسجد الأقصى عن قرآنه والرسل تسمع والملائكة مواكب، سل الزمان متى توقف
وسل المكان كيف تقارب، سل السموات السبع هل وطئها قبله راجل أو راكب، سل أبوابها كيف تفتحت ومن استقبله على كل جانب،
سل الملائكة أين اصطفت لتحيته كما تصطف الكتائب، سل الروح الأمين لماذا توقف عند الحجاب ومن الحاجب،
سل العشاق عن حبهم والناس فيما يعشقون مذاهب، سل سدرة المنتهى عن كأس المحبة مَن الساقي ومن الشارب،
يا رب صلي على الحبيب المصطفى أهل الفضائل والمواهب، وعلى الصحب والآل ومن تبع عدد ما في الكون من عجائب وغرائب.
أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي بيان إباحة الصيد لمن تحلل من إحرامه من المؤمنين، لأن المحرم لا يحل له الصيد حال إحرامه، كما لا يحل له أن يأكل ما صيد له،
أي من أجله وهو محرم، فإذا كان معك زميل ليس محرما وقلت له أمامك غزالة فصادها وقدم لك اللحم فلا يجوز لك أن تأكله لأنك راضي بذلك، وأما إذا صاده لغيرك وأنت لا تدري ثم قدمه لك فلا بأس وهذا يفهم من قوله “
وإذا حللتم فاصطادوا ” أي وإذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا، وهذا الحكم، أي حرمة الصيد باقي إلى الآن وإلى يوم القيامة ولم يطرأ عليه نسخ وما نسخ بشيء،
ومما إحتواه هذا النداء العظيم هو حرمة الإعتداء على العدو، فمن كان له عدو لا يجوز له أن تحمله عداوته على ظلمه والإعتداء عليه، فلو كان لك عدو كافر أو مؤمن لم يعتدي عليك فلا تحملك عداوتك وبغضك له أن تأخذه.
إباحة الصيد لمن تحلل من إحرامه
أو تضربه وتأخذ ماله، بل حتى ولا تسبه أو تعيره لأن الإسلام دين الله للبشرية جمعاء، والكل عبيده،
فإن أعلن عداءه لنا فنعاديه، ولكن لا نعتدي عليه، إلا أن يظلم العدو ويجور، فحينئذ يرد ظلمه وإعتداؤه ولا حرج، فإن شهر السلاح وقاتل فلنا أن نبيده، ولا نرحمه وهذا معنى قوله تعالى في هذا النداء ” ولا يجرمنكم ” أي ولا يحملنكم ” شنآن قوم ” أي بغضهم وعداوتهم “
أن صدوكم عن المسجد الحرام ” كقضية الحديبية فيقول تعالي ” أن تعتدوا ” عليهم، لا أن يجد الإنسان رجلا من مكة في ينبع ويقول هذا ممن يصد عن المسجد الحرام، ويأخذ في ضربه وقتله بعد الإتفاقية، وهذا ما فعله أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم
لما أن زلت قريش بقدمها، وساقها الله تعالي إلى الملحمة، بعد أن خانت المعاهدة ونقضتها، وأيدت جماعة على جماعة، فغزاهم بعد سنة فقط في السنة الثامنة.
إباحة الصيد لمن تحلل من إحرامه
ففتح الله عليه مكة، قال وهذا تم في الحديبية ضد المشركين، إذ صد المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين صدوهم عن العمرة،
وتم صلح بينهم، وهو المعروف اليوم بصلح الحديبية، فحذر الله تعالى المؤمنين من أن يحملهم بغضهم وعداؤهم للمشركين الذين منعوهم من المسجد الحرام أن يعتدوا عليهم بعد أن تم الصلح بينهم.