
قصة عام جديد
بقلم الكاتبة جيهان سيد
الساعة الآن الحادية عشرة والنصف مساءً، قررت أن أقضي آخر دقائق في العالم في مكان مختلف. قررت فعل العديد من الأشياء الفريدة، فها أنا أبدّل ملابسي الزرقاء وأرتدي ملابسي التي أهداها لي صديقي الجديد لنقضي الليل سوياً. لقد تعرّفت على آدم منذ ثلاثة أيام فقط، ولكنه أصبح صديقي المقرّب، فهو من ينير لي طريقي، هو ونيسي ورفيقي في هذه العتمة.
آدم يبلغ من العمر ستة أعوام، وقد أنهى عامه الدراسي الأسبوع الماضي وينتظر معرفة درجاته حيث يطمع في تكريم الأوائل هذا العام ليلتحق بمسابقة المتفوقين.
_____
10:55 pm
أين عفاف!
= لقد استأذنت منذ قليل يا دكتور أمجد، ولكنها ستعود حتماً.
كيف لها أن تترك الغرفة؟
_____
لا أعلم كيف أصف لك هذا الملاك النائم، هل ستصدقني إذا قلت لكَ أود تقبيله حتى يستيقظ مرة أخرى من نومه العميق كما استيقظت الأميرة النائمة! يا له من طفل رائع حقاً، ينام على جانبه الأيمن ويرتدي هذا الثوب الذي يشع ضوءاً ورائحته طيبة، أما عن ملامحه فيمكنك أن ترى جميع مصطلحات البراءة تتجسد في وجهه. لا أدري أأبدأ بعينيه الزرقاوين أم أنفه الصغير أم فمه الذي إن رأيته لرغبت في التهامه. عندما تنظر لوجهه تشعر بالارتياح، تشعر بأن هموم قلبك تنصهر وتتحول لطاقة إيجابية وحماس ورغبة في الاستمرار والمضي.
_____
11:07 pm
أين هو يا عفاف؟
= لا أعلم، أقسم لكَ إنه كان هنا منذ قليل.
_____
11:10 pm
قف لي من فضلك.. لو سمحت.. قف..
اللعنة عليكم، لماذا لا تلبون ندائي!!
حسناً، لا أحتاج إليكم، سأصل وحدي، الطريق قريب جداً من هنا..
هيهات وأصل للمكان المطلوب، ها أنا وصلت، معي الأدوات كاملة، فلأبدأ في العمل..
تساقطت بضع قطرات العرق من جبيني، ولكن لا يهم، سأكمل ما بدأته للتو.. يا له من قفل صعب.. لماذا هذا الشيء لا يضيء، ألم يكن يعمل منذ بضع ثوانٍ؟ ها أنا اقتربت من الانتهاء.. انتهيت أخيراً.
لقد اقتربت من آدم جيداً، أشعر بحرارة أنفاسه تلتهم أنفي، كيف يتركك أبوك وأمك هنا وحدك! لا تقلق يا صغيري، لقد أتيت لأنقذك، لقد أتيت لإخراجك، وإن لم أستطع لظللت بجانبك حتى ينقضي عمري، هذا وعد أقسم لكَ بتنفيذه.
_____
11:20 pm
عليكِ أن تخبري أفراد الشرطة يا عفاف بما حدث بينما أبحث أنا وأفراد الأمن في المناطق المجاورة.
_____
الساعة تقترب من الثانية عشرة، أوشك عام جديد على البدء، أوشكت على الانتهاء من ارتداء ملابسي، ولكنني لا أرى جيداً، فهل لك أن تضيء لي هذا المصباح يا آدم؟
عفواً، ما هذا المصباح القديم! ما الذي أتى به إلى هنا، يا له من أحمق يأتي هنا ويترك المصباح!!
هيا يا صغيري، لابد أن ننجز بعض الأشياء في بداية العام الجديد.
لقد دقّت عقارب الساعة التي أرتديها في ساعدي عن إتمام الساعة الثانية عشرة، ها قد بدأ عام جديد، تتساقط الثلوج، تتصارع قطرات المياه كما تصارع قلبي وعقلي مراراً، وفي النهاية يهبط المطر على الأرض ليدهسه الأطفال دون رحمة وبلا شفقة، لن أسمح للأرض أن تصبح سبباً في دهسك.
_____
12:30 am
لقد بحثنا كثيراً ولم نجد شيئاً، لم يره أحد، حتى الكاميرات لم تلتقط له صورة واحدة! لا بد أنه تدرب كثيراً قبل فعلته هذه.
= أعلم مكاناً ربما ذهب إليه!
_____
لقد صدق حدسي، فوجدت آثار أقدام في هذا الطريق، لابد أنه يجلس هنا يبكي، ولكن كذب حدسي عندما وجدت تلك الآثار على المدفن!!
لقد أتى السيد حسن إلى هنا، أتى إلى قبر ابنه آدم الذي توفي منذ ثلاثة أيام. حسن لم يتقبل فكرة موت ولده الوحيد وظل يحدثه وكأنه معه حتى تم احتجازه في هذه المشفى أول أمس. عندما شُخّصت حالته علمت بالخطورة القصوى، وأمرت بتشديد مراقبته، ولسوء الحظ أغفلت الممرضة عفاف عنه فدبّر عملية هروبه وأتى إلى هنا، ولكن ما لم أتوقعه أبداً هو أن ينهش قبر ولده ويستبيح جثته ويجلس بجانبه يحدثه ويجعله يرتدي رداء بابا نويل بحجة أنه كان يحبه! إن حالة حسن في خطر، وأرجو التعامل معه بدقة شديدة وحرص غير مسبوق، وسأشرف أنا بنفسي على حالته.
“- كان هذا جزءاً من تقرير حالة السيد حسن آدم محمد بتاريخ 1/1/2019”
_ جيهان سيد💙
قصة عام جديد