![قراءة نقدية في مفتش مراجيح القاهرة رواية سامح الجباس](https://mawtany.com/wp-content/uploads/2025/02/FB_IMG_1739105871829-780x470.jpg)
قراءة نقدية في مفتش مراجيح القاهرة رواية سامح الجباس
كتبت منى عبد اللطيف
قبل أن ابدأ قرائتي دعوني أعرفكم على الروائي سامح الجباس:
هو طبيب ولد في يناير 1974 عضو اتحاد كتاب مصر، ونادي القصة بالقاهرة،
له العديد من المؤلفات التي تنوعت بين الرواية والقصص القصيرة وأدب الطفل وله أيضًا كتاب كيف تكتب السيناريو والذي صُدر عن دار أكتب سنة 2019،
حصل على عدة جوائز أدبية منها جائزة كتارا وجائزة اتحاد كُتاب مصر وغيرهم من الجوائز الهامة جدًا والتي نقشت اسمه بين عمالقة الأدباء المتحققين في مصر والعالم العربي…
– مفتش مراجيح القاهرة هي رواية تاريخية سُطرت بالفصحى سردًا وحوارًا،
رويت على لسان الراوي الأنا وهي أم لا تشبه غيرها من الأمهات
هي تارة شاهدة صامتة
وتارة أخرى متصارعة مع ذاتها ومن حولها
وتارة متألمة في وداعة لا تناسب غلظتها التي كبتت الكثير حتى ضج الجسد صارخا صرخات متفرقة محذرا من دنو النهاية…
تلك هي المرة الأولى التي اقرأ فيها للدكتور سامح الجباس وكم تمنيت أن التقيه واقرأ له بعد متابعتي لكتاباته على صفحات التواصل وترشيح العديد من الأصدقاء لأعماله التي وُصفت بالمختلفة والعبقرية، ولحسن حظي وأثناء مروري بين أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب رفقة ابنتي قابلته مع صديقة عزيزة في جناح دار العين وكم أسعدني اللقاء وإهدائه لي نسخة من رواية مفتش مراجيح القاهرة والتي كانت بالفعل على قائمة مشترياتي لرغبتي في القراءة له ولأن الاسم لفت نظري وأثار بعقلي العديد من التساؤلات حتى غلاف العمل البديع والمألوف بغرابة، كل شيء في هذا الكتاب أخذ يناديني كي أقتنيه…
ليأتي كاتبه ويهديني إياه مرفق بإهداء أثلج صدري،
وتبدأ رحلتي بين صفحات مفتش المراجيح بشغف ساحر وعقل متقد…
تفحصت الغلاف فوجدت شاب وامرأة تكبره في العمر يمضيان بتطلع للأفق الساحر هو يرتدي بذلة حمراء برابطة عنق سوداء محكمة وسترة يحكمها زر واحد قابضًا على معدته، يحمل بيمينه عدة كتب وهي ترتدي رداء مزركش متداخل كخريطة ميدانية لمدينة تحوي مختلف المساحات كل مساحة يحدها فاصل عن غيرها وربما هذا الرداء يرمز لحياة الأم بمحطاتها المتعددة المتداخلة والمنفصلة في آن واحد، تقبض بكفها الأيسر على قلبها، وكلاهما ينظر في نفس الاتجاه وبجانب الشاب طابع بريدي يحمل صورة الكاتب القدير إحسان عبد القدوس رحمه الله، وخلفهما بعض الزهور البنفسجية التي وإن دلت عن الإبداع والتفرد فهي أيضًا ترمز للحزن والفقد وترتبط ارتباطا وثيقا في المسيحية بالعذراء مريم وهي أكثر الأمهات حزنا وفخرًا وأعظمهن مقامًا…
لم يبدأ العمل بإهداء أو مقدمة كالمعتاد بل بدأ بقصة عن الرواية حملت مفاجأة عصفت بعقلي وجعلتني أقف حائرة على أعتابها غير مصدقة وعلى وجهي ابتسامة بلهاء وعقلي يردد متسائلا (أيعقل يا مني؟!)
وقلبي ينبض قائلا (ولم لا!)
وسريرتي الطفولية تلح أن تقابل مفتش المراجيح
ونفسي تهمس بخبث (إذا فتحتي الفصل الأخير بالتأكيد سينكشف اللغز)
نفضتهم بعدما بحثت عن مفتش المراجيح وتبعت هوى نفسي فزادت حيرتي، وحسمت أمري أن أباشر القراءة واتمتع بالرحلة دون تقيد وعلى وعد لفضولي بحديث طويل مع الكاتب…
ودعوني أخبركم عن خلاصة قرائتي للعمل الذي يتناول الوجه الآخر لإحسان عبد القدوس ظاهريا أما باطنيا فلقد تناول الوجه الآخر لمصرنا وقاهرتنا تلك اللاهية الغانية المتأرجحة دوما في بين البين تحت أعين مفتش المراجيح الذي لعب دورًا هاما في التاريخ وإن قوضت حريته، وتُفهت رسالته، وتم غض البصر عنه لسنوات ربما ييأس، وحين أبى الاستسلام انهالت عليه الصفعات من أقرب الناس،
نعم فلكل منا عدة وجوه البعض تحكمه المصلحة ويحركه نقصه في عيني نفسه قبل الآخرين، والبعض تحركه أطماعه، والبعض تحركه غريزته، والبعض شغفه، والبعض الأمومة، والبعض البطولة، والبعض حيرى متمردين على أنفسهم والواقع ممزقين بين قسوة الماضي ونفاق الحاضر يناضلون من أجل أن يحيوا بوجه واحد في مجتمع الأقنعة الذي يتآمر فليصقه قسرًا بوابل من الألقاب والوجوه وهو خلف كل ذلك يحارب القدر في جبهته الخاصة في مراهنة مفادها الأثر فتُرى هل سيبقى أم ستمحيه الأيام وينساه الوجود كالشاعر “الفُصعامي” و “جويس” و “مفتش مراجيح القاهرة“؟
طرح العمل العديد من الأسئلة والنماذج الاجتماعية التي استوقفتني ومنها:
– هل الحب يحكمه الدين؟ فإذا خلقنا إله واحد رجل وامرأة واسكننا ارضًا واحدة تحت سماءً واحدة وآلف قلوبنا فكيف بدين صنعه كما صنعنا أن يفرقنا، أم هي أحكام البشر؟
– بدايات جماعة الإخوان وسياساتهم ومخططاتهم التطرفية
– ثورة 23 يوليو 1952 وأسرار سبقتها وتبعاتها الغير متوقعة وفساد كشفه العميل “سانو”
– مراحل تحرير المرأة المصرية والوجوه المتباينة بين طبقات المجتمع والمنادين بالتحرير فليس كل ما نقوله نعمل به و “البيوت أسرار”
– أزمات الطفولة ودورها في تشكيل الشخصية
– الأقنعة المختلفة لأصحاب الأقلام وإن مضى زمانهم فأسمائهم وأعمالهم باقية إنما هل تحكي الأقلام عن أصحابها أم أن الحقيقة أحيانا “حدث ولا حرج!”
– هل إحسان عبد القدوس أديب الفراش؟ أم هو أكثر من ذلك؟ أو ربما هو أبعد ما يكون عن ذلك…
– هل العقيدة تحدد مدى الوطنية، أم إنه مخطط عنوانه “فرِّق تَسُد“؟
محطات كثيرة وقضايا شائكة جدًا وفي رأيي رواية مفتش مراجيح القاهرة تتجاوز حد الرواية التاريخية، بل هي مزيج من التاريخ واستقراء لخفايا الحاضر في العديد من الأصعدة ويبقى السؤال… وهو ما سيتبادر لذهن جميع القراء ولن أخبركم عنه بل سأدعكم تتسائلون وربما أجابكم الكاتب كما أجابني أو ربما لا…
في النهاية أشكر الروائي الدكتور سامح الجباس على العمل الأكثر من رائع وفي انتظار المزيد من التميز والإبداع والمفاجآت البعيدة عن المألوف…