بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي يمن على من يشاء بالأولاد ويجعلهم فتنة يتبين بها الشاكر الذي يقوم بحقهم ويصونهم عن الفساد والمهمل الذي يضيعهم ويتهاون بمسئوليتهم، فيكونون عليه نقمة وحسرة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، أما بعد اعلموا يرحمكم الله إن الأمن لو سُلب من بلد ما، فتصور كيف يكون حال أهله؟ لو خرج ابنك إلى الشارع لا تأمن عليه، لو ذهبت بنتك إلى المدرسة خشيت ألا ترجع إليك، ولو ذهبت أنت إلى العمل جلست على مقعد العمل قلقا على نسائك ومحارمك في المنزل، إضافة إلى سرقات البيوت وسرقة السيارات وقطَّاع الطُّرق في السفر وغيرها كثير، كم من البلاد الآن عاقبهم الله تعالي بنزع الأمن من بلادهم فعاش أهلها في خوف وذعر، في قلق وإضطراب ليل نهار، لا يهنؤون بطعام، ولا يتلذذون بشراب، ولا يرتاحون بمنام، كل ينتظر حتفه بين لحظة وأخرى.
عم بلادهم الفوضى وإنتشر الإجرام، لا ضبط ولا أمن، فنسأل الله أن يرحمنا برحمته وألا يوصلنا إلى هذه النهاية، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما” وروى الطبراني، والحاكم عن كعب بن مالك مرفوعا ” إذا فتحت مصر، فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما” ويعني أن أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم كانت منهم، وقال فعقلنا بذلك أن تلك الرحم التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من قبل هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الأثير في كتابه النهاية معنى قوله “فإن لهم ذمة ورحما” أي أن هاجر أم إسماعيل عليه السلام كانت قبطية من أهل مصر، وأما ما يتعلق بمارية رضي الله عنها.
فهو في رواية أخرى لحديث أبي ذر عند مسلم أيضا، بلفظ ” فإن لهم ذمة وصهرا” وقال النووي في شرح مسلم وفي رياض الصالحين أما الرحم، فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر، فلكون مارية أم إبراهيم منهم، وروى ابن الجوزي في كشف المشكل أن سفيان سئل عن قوله “فإن لهم ذمة ورحما” فقال من الناس من يقول هاجر كانت قبطية وهي أم إسماعيل، ومن الناس من يقول كانت مارية أم إبراهيم قبطية، وقال المناوي في فيض القدير “فإن لهم ذمة” ذماما وحرمة وأمانا من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن أمه مارية منهم “ورحما” قرابة، لأن هاجر أم إسماعيل منهم، فحق أهل مصر بسبب مارية من جهة كونها أم إبراهيم، ولا يعني هذا أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها، بل كانت سرية عنده أهداها له المقوقس ملك مصر.
وعلى هذا نص أهل العلم، فذكروا مارية في سراريه صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروها في أزواجه، قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد قال ابن عبد الحكم إن صهرهم تسرّي رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، أي بمارية ونسبهم أن أم إسماعيل هاجر منهم، وروى النسائي في السنن الكبرى عن الزهري قال كانت له سرية قبطية يقال لها مارية، وذكرها في السراري الحاكم في كتابه المستدرك، وابن عبد البر في كتابه الإستيعاب، وابن الأثير في كتابه أسد الغابة، وابن القيم في كتابه زاد المعاد وغيرهم، نسأل الله أن يحفظ مصرنا وأهلها وشعبها من كل مكروه وسوء اللهم من أراد بمصرنا خيرا فوفقه إلى كل خير ومن أردا مصرنا بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرفنا في أمرنا وثبت أقدمانا وانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

