قصة قصيرة “ظلُّ السبُّورة”
بقلم / د. حسين اسماعيل
لم تكن «مريم» إلا ابنة السادسة عشرة، تعيش في بيت لا ينقصه الأثاث، ولا تملأه الضحكات، أبوها دائم الانشغال في شركته، وأمها مريضة بالقلب والهدوء المفرط
منذ بداية المرحلة الثانوية، أخذت أمها تبحث عن مدرسين خصوصيين لبنتها، وكانت تحرص على أن يتم الدرس في ” غرفة مريم “، الباب مفتوح أحيانًا، مغلق غالبًا، لكنها كانت تقول بثقة: “هي مؤدبة، وهو محترم ”
دخل «أستاذ سيف» البيت في أول العام الدراسي، رجل في الثلاثين من عمره، أنيق، هادئ الصوت، لديه طريقة تجذب الانتباه… ليس فقط للمادة، بل لذاته
مرت الحصص الأولى كأي درس عادي. لكن مريم، بقلبها المراهق، كانت ترصد كل شيء…
نبرة صوته حين ينادي اسمها، ضحكته القصيرة حين تُخطئ، حتى طريقة جلوسه وهو يشرح، لم تكن تشبه ما تراه من أساتذة مدرستها
ببطء… بدأ الانحدار
لم يكن هناك شيء واضح يمكن الإمساك به… مجرد ابتسامة زائدة، نظرات لا تُفسَّر، إطراء غير ضروري:
«أنتِ ذكية جدًا… مش أي طالبة عندها عمقك ده»
«صوتك هادئ… وعينك بتتكلم أكتر من لسانك»
كانت كلمات عابرة، لكنها بدأت تُراكم أثرها في نفس مراهقة وحيدة
وفي يوم… كتب لها مسألة على ورقة صغيرة، ثم أضاف كلمة:
“لو فهمتيها وحلتيها ، هديكي هدية”
ضحكت بخجل. لم تكن تعلم ما المقصود بالهدية. لكنها شعرت أنها مميزة
في حصة تالية، جلس أقرب من اللازم
قال بصوت منخفض:
«أنا بارتاح في بيتكم… عندكم طاقة راحة»
ثم أضاف:
«وأنا مش باجي هنا علشان الفلوس بس…»
صُدمت. قلبها يدق، ومعدتها تنقبض، لكنها ابتسمت لا إراديًا، لأن في داخلها جزءًا صغيرًا أحب الشعور بأنه مُختار
تطور كل شيء بهدوء
لم يمسّها… لكنه لمس عقلها
بدأت تنتظره أكثر مما تنتظر نتائج اختباراتها
بدأت تضع عطرًا قبل الدرس
وتختار ملابسها بعناية في أيامه
حتى جاء ذلك اليوم….
نزلت أمها لشراء دواء، وبقيت مريم وحدها في البيت، وصل المدرس، دخل، لم تنتبه أنه أغلق الباب خلفه
ابتسمت له كعادتها، لكنه هذه المرة… لم يكن كما عهدته
اقترب أكثر، ونظر إليها بطريقة غريبة
قال:
«أنا مش شايفك طالبة… أنا شايفك أنثى»
ارتجفت
ردت:
«أنا صغيرة… وبابا مش موجود»
قال:
«الصغر مش في العمر… الصغر في التفكير، وأنا واثق إنك عاقلة»
اقترب أكثر، مد يده ليمسك كتفها
لكنها قامت كأن تيارًا كهربائيًا صعقها
صرخت:
«اخرج فورًا»
فوجئ، حاول تبرير الموقف، قال إنها «مزحة»، وإنه «اختبر رد فعلها»، لكنها كانت تبكي بالفعل
ركضت إلى باب الشقة، فتحته، وصرخت بأعلى صوتها:
«لو ما خرجتش، حصرّخ وألمّ العمارة كلها»
خرج….
في ذلك اليوم، قررت مريم أن تتكلم
أخبرت أمها. انهارت الأم بالبكاء، لكن شيئًا فيها تبدل، أخبروا الأب. لم يغضب من ابنته… غضب من نفسه
في اليوم التالي، قرر أن تُلغى كل الدروس الخصوصية المنزلية
وفي جلسة طويلة مع ابنته، قال لها:
أنا آسف… لأني تركتك وحدك في عالم مفترس. أنا كنت فاكر إن الجدران كفاية لحمايتك. بس الحقيقة، الجدران ما بتحميش… اللي بيحمي هو الوعي، وإنك تقولي (لا) في الوقت الصح
بعد سنوات، كتبت مريم في مذكرتها القديمة:
أحيانًا لا يحتاج الذئب أن يأكل ليكون ذئبًا… يكفي أن يقترب
وأنا كنت الفريسة التي نجت… لأنها تكلمت

