مقالات

أبدله دارا خيرا من داره 

أبدله دارا خيرا من داره 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات العُلي وخلق عبادة فزهدهم في هذه الدار وصلاة وسلاما علي عبده الأمين المختار وعلي آله وصحبه الطيبين الآخيار أما بعد قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أبدله دارا خيرا من داره” أي هي الدار الذي سينتقل إليها أول ما ينتقل من الدنيا هي القبر، ولكن هل يمكن أن تكون خيرا من داره؟ فالجواب هو نعم، ولولا ذلك ما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بها، إذ إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعو بأمر محال، والقبر يكون خيرا من الدنيا إذا فسح للإنسان مد بصره، وقيل له نم صالحا، وفتح له باب إلى الجنة، أتاه من روحها ونعيمها، وفرش له من الجنة، فمن كانت هذه حاله، فوالله إنها أحسن من الدنيا بألف مرة، بل ولا ينسب، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. 

بأن الإنسان منذ أن تفارق روحه بدنه هو إما في نعيم وإما في عذاب، فلا يتأخر النعيم والعذاب عن النفوس إلى حين القيامة العامة، وإن كان كماله حينئذ ولا تبقى النفوس المفارقة لأبدانهما خرجة عن النعيم والعذاب ألوفا من السنين إلى أن تقوم القيامة الكبرى، ولهذا قال المغيرة بن شعبة أيها الناس إنكم تقولون القيامة، القيامة، وإنه من مات فقد قامت قيامته، وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بأن البرزخ هو الحاجز بين الشيئين، فهو هنا الحاجز بين الدنيا والآخرة وفي هذا البرزخ يتنعم المطيعون ويعذب العاصون من إبتداء موتهم وإستقرارهم في قبورهم إلى يوم يبعثون، أي فليعدوا له عدّته وليأخذوا له أُهبته، وقال صفوان بن عمرو أنعم الناس أجسادا في التراب قد أمنت العذاب تنتظر الثواب، وأن العاقل من ينظر إلى قبور غيره فيرى مكانه بين أظهرهم.

فقال الإمام الغزالي رحمه الله بأن البصير هو الذي ينظر إلى قبر غيره فيرى مكانه بين أظهرهم، فيستعد للحوق بهم ويعلم أنهم لا يبرحون مكانهم ما لم يلحق بهم وليتحقق أنه لو عرض عليهم يوم من أيام عمره الذي هو مضيع له كان أحب إليهم من الدنيا بحذافيرها لأنهم عرفوا قدر الأعمار فإنما حسرتهم على يوم من العمر ليتدارك المقصر به تقصيره فيتخلص من العذاب، فإنهم عرفوا قدر العمر بعد إنقطاعه فحسرتهم على ساعة من الحياة وأنت قادر على تلك الساعة ثم أنت مضيع لها، ويخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آخر أهل النار خروجا منها ومحاورتِه لربه “رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره؟ 

 

فيقول لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول أي رب قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول أي رب، ويدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول لا، وعزتك، فيعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك. 

فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه، فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له تمنه، فيسأل ربه ويتمنى، حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا، حتى إذا إنقطعت به الأماني قال الله تعالى ذلك لك، ومثله معه” متفق عليه، فما أعظم رحمة الله وما أوسع فضله، ويقول سفيان الثوري رحمه الله “ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي فربي خير لي من والدي” رواه البيهقي، أفلا يحمل هذا كله المؤمن على أن يكون حسن الظن بربه؟

أبدله دارا خيرا من داره

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى