أخلب الناس ألسنة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله عالم الخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحمده تعالى على ما علم، وأشكره جل وعلا على ما هدى وقوم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، علا على سماواته ثم علا على عرشه استوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أكرم الأصفياء والداعي إلى سلوك المحجة البيضاء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحلفاء اليقين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم حشر العباد أجمعين، ثم أما بعد لقد هتك الله أستار المنافقين وكشف أسرارهم وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر فقولهم يخالف فعلهم، وسرهم ضد علانيته، أعملوا أفكارهم وأجالوا آراءهم في كيد الإسلام وأهله، يفسدون في الأرض وينافحون عن فسادهم بدعوى الصلاح والإصلاح.
فيقول تعالي ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون” فكيف يكونون هم المصلحون وهم صم بكم عمي قد نهكت أمراض الشهوات والشبهات قلوبهم، دأبهم السعي لوقوع المنكرات وفشوها في المجتمعات، ويمنعون الخير والإصلاح فيها، ويبغضون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن يقوم بها ويعادونه، ويلقبون أهل الإيمان بأقبح الصفات، ويسخرون منهم ويتربصون ويهزؤون بهم، قالوا عن المؤمنين إنهم سفهاء، ولكن الله حصر السفاهة فيهم فقال تعالي ” ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ” ويغررون بالمسلمين، ويوردنهم حيض العطب، ويسعون بالفتنة والنميمة والبغضاء، وإن أصاب المسلمين خير أسفوا وإن أصابهم بلاء فرحوا، متسمون بالكبر والغرور، يصدون وهم مستكبرون.
متصفون بالعجب بذواتهم واحتقار غيرهم، عهودهم غادرة، ومواثيقهم منقوضة، ووعودهم مخلفة، وأماناتهم خائنة، ومخاصماتهم فاجرة، يخون أحدهم صاحبه أحوج ما يكون إليه، لا ذمة لهم ولا أمان، فلا تثق بعهودهم ولا تطمئن إلى وعودهم، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر” فهم أخلب الناس ألسنة وألطفهم بيانا، وأعسلهم مقالا، وأخبثهم قلوبا، يصورون الباطل بصورة الحق إذا سمعهم السامع يصغي لقولهم، يزدرون الآخرين في مخاطباتهم، فأقوالهم في المجالس كاذبة، وربك شهيد عليهم بل ويؤكدون كذبهم بالأيمان الفاجرة الآثمة، حالهم في الأمن علو ألسنتهم بالقول العنيف بألفاظ متنوعة شديدة مؤذية على الدين وأهله.
وعند البأس هم أجبن قوم وأخذلهم للحق، شأنهم الخوف والفزع، يحسبون كل صيحة عليهم، يبادون إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن، وفي الإنفاق عباد للدنيا، أبخل الناس في بذل الخير، أيديهم شحيحة عن البذل والعطاء، لذوي المسكنة والفقراء، وشر ما في المرء شح هالع، وجبن خالع، فيقول ابن القيم “هم أخبث بني آدم، وأقذرهم وأرذلهم، آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذية شديدة، فعابوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمته، وسخروا بصحابته، وهزئوا بالمتصدقين منهم، ورجع رأسهم عبد الله بن أبي يوم أحد بثلث الجيش والمسلمون في أحوج ما يكونون للعدد والعدة، وهموا بالفتك بسيد البشر في ظلماء الليل في غزوة تبوك” ويقول شيخ الإسلام ابن كثير “لم يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال”.
أخلب الناس ألسنة