
أماكن أقسم الله بها تعظيما لشأنها
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الكريم الوهاب وهبنا نعمة الإيمان، والأمن في الأوطان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان المرسل بالقرآن إلى الثقلين الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين،لقد جاء الإخبار بنبوة المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم على لسان نبي الله موسى عليه السلام في التوراة بما نصه ” وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال جاء الرب من سيناء، وأشرق من سعير، وتلألأ من جبل فاران، ومعنى مجيء الله من طور سينا إنزاله التوراة على نبي الله موسى عليه السلام من طور سينا ومعنى إشراقه من ساعير، إنزاله الإنجيل على المسيح عليه السلام وكان المسيح من ساعير أرض الخليل بقرية تدعى ناصرة، وباسمها يسمى من اتبعه نصارى.
وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح، فكذلك يجب أن يكون إستعلانه من جبال فاران، إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وجبال فاران هي جبال مكة، وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة، فإن ذلك من تحريفهم الكلم عن مواضعه، خاصة وأن في التوراة أن إسماعيل سكن في برية فاران، جاء في التوراة “وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر” والبرية التي بين مكة وطور سيناء تسمى برية فاران، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه بعد المسيح عليه السلام نزل كتاب في شيء من تلك الأرض، ولا بعث نبي فعلم أنه ليس بالمراد بإستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه وتعالي ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني، لأنه في مقام الخبر عنها، فقدم الأسبق فالأسبق.
فذكر إنزال التوراة، ثم الإنجيل ثم القرآن وهذه الكتب نور الله وهداه، وهذه الأماكن الثلاث أقسم الله بها في القرآن، في قوله تعالى ” والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ” فأقسم بالتين والزيتون وهو الأرض المقدسة الذي ينبت فيها ذلك، ومنها بعث المسيح عليه السلام، وأنزل عليه فيها الإنجيل وأقسم بطور سينين وهو الجبل الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام، وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة، وأقسم بالبلد الأمين وهي مكة وهو البلد الذي أسكن إبراهيم عليه السلام إبنه إسماعيل وأمه، وهو الذي جعله الله حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم خلقا وأمرا قدرا وشرعا، فإن إبراهيم عليه السلام حرمه ودعا لأهله فقال ” ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ”
وإختلاف ترتيب القرآن للأماكن الثلاثة عن ترتيبها في التوراة، يرجع إلى أن لقرآن أقسم بها تعظيما لشأنها، وذلك تعظيم لقدرته سبحانه وآياته وكتبه ورسله، فأقسم بها على وجه التدريج، درجة بعد درجة، فختمها بأعلى الدرجات، فأقسم أولا بالتين والزيتنون، ثم بطور سيناء، ثم بمكة، لأن أشرف الكتب الثلاثة القرآن ثم التوراة، ثم الإنجيل وكذلك الأنبياء، فأقسم بها على وجه التدريج، ويلحظ أن الخطاب لبني إسرائيل لأجل أن يقبلوا بنبي الإسلام إذا جاء، لأنه ليس من بني إسرائيل، وهذا يحتاج إلى تأكيد الأمر بالتباعه بخطاب خاص لهم، وليس معناه أنه منهم، فاللهم إنا نسألك قلوبا سليمة، وصدورا نقية يا رب العالمين، هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم فاللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أماكن أقسم الله بها تعظيما لشأنها