إضاءات وإشراقات مع الإمام أبو القاسم الجنيد البغدادي
إعداد / محمد احمد غالى
الإمام الجنيد البغدادي هو: “أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد” عالم زاهد وعلم من أعلام الصوفية أصله من نهاوند وعاش ما يقارب الثمانين عاما، والجنيد من أهل القرن الثالث الهجري. ولد الإمام الجنيد ببغداد عام 215 هـ ، ونشأ فيها وصحب جماعة من المشايخ، واشتهر بصحبة الحارث المحاسبي وخاله سري السقطي، ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة. قال الجنيد: “كنت بين يدي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: “يا غلام! ما الشكر” قلت: “الشكر ألا تعصي الله بنعمه”. فقال لي: “أخشى أن يكون حظك من الله لسانك!” قال الجنيد: “فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي السري”. وقد كان السري السقطي آية في الزهد وعند وفاته قال له الجنيد : ” يا خالي ماخلفت بعدك مثلك فقال له السري وماخلفت بعدي مثلك”.
سمع الإمام الجنيد رحمه الله هاتف يناديه في المنام ويقول له :
إنهض يا عبدي، وأنقذ عبدي !!
فقال له الجنيد : وأين أجد عبدك يا ربّ ؟
قال له : إركب دابتك وأين ما تقف ستجد عبدي !
فقام الإمام من نومه وكان قد قرُب آذان الفجر
فتوضأ وركب دابته، ومشى في أزقة بغداد حتى وقفت الدابة عند باب مسجد
فقال في نفسه : لعلّ هذا العبد في الداخل
فدخل، فوجد رجلاً يبكي ويناجي ربّه أن يفرج كربه، ويُقيل عثرته ..
فعرف الجنيد أنه الشخص المطلوب.
فأخذ مائة دينار وأعطاها للرجل
فأخذها منه ولم يشكره أو يلتفت إليه، وأخذ يبكي ويشكر ربّه !!
فقال له الإمام الجنيد : يا أخي، إن لم تقضِ النقود حاجتك فاسأل عني في بغداد، سيدلُّوك عليَّ، أنا جنيد البغدادي
فرد الأعرابي : أمجنون أنت ياجنيد ؟!
قال الجنيد : لماذا ؟
قال : أتريدني أن أترك الذي أيقظك من نومك لأجلي، وسخّرك لتقضي لي حاجتي، وأركض خلفك في شوارع بغداد ؟!. جاء مرةً رجلٌ إلى الإمام الجنيد، رحمه الهْ تعالى، يقول له: “يا إمام، أنا أكثر من ذكر الله تعالى، ولكني لا أشعر أن قلبي قد تحرك، يتحرك اللسان بالذكر، والتسبيح، والثناء، والتمجيد، والتكبير لحضرة الحق، لكني لا أشعر أن القلب قد تحرك”. فقال له الجنيد: “احمد الله تعالى على أن زَيَّنَ جارحةً من جوارحك بذكره، وهذه أول درجة؛ إذ لا تنفتح الأبواب والخزائن، إلا إذا ما استدام العبد التلاوة، وأكثر من جريان الذكر على اللسان”. إذ يشبه العلماء أثر ذلك كأثر المطر، إذا تنزلت قطرات المطر على وصف الاستدامة أثرت، ولو في صخر، يحفر الماء مجرى له، ولو في الصخر، من استدامة تنزل القطرات، قطرةً من وراء قطرة. فكذلك القلوب، فإذا ما استدامت الألسنة من الذكر -وإن مع الغفلة- أوشك دوام الذكر أن يحفر في القلوب مجرى، فينفتح في فهم الذكر ذوقٌ لم يكن يلوح من قبل، فتنفتح تلك الموارد التي يتكلم عنها الشيخ:
مَنْ لِي وَأَنَّى لِمِثْلِي أَنْ يُزَاحِمَهُمْ * ** عَلَى مَوَارِدَ لَمْ أَلْفِي بِهَا كَدَرَا
الحياة الحقيقية هي الحياة مع الله والثقة بالله هي حياة أخرى فوق الحياة فثق بالله، وتوكل عليه، وفوّض الأمر إليه، وستجد من الله ما يُدهشك، فما كتب من أجلك سوف تناله رغم ضعفك، وما لم يكتب من أجلك فلن تناله رغم قوتك. كن مع الله يكن معك كل شيء، فاللهُ تعالى وحده هو الملاذُ في الشدة، والأنيسُ في الوَحْشَة، والنصيرُ في القلة. ومن عَرَفَ اللهَ حقًا ناجى ربَهُ إذا أمسى وإذا أصبح ألا يتولاه أحدٌ إلا الله، ويسألُ ربَهُ وهو يُناجيه أنه جل وعلا يتولاه بولايته، وأن لا يجعلَ في قلبِهِ أحدا إلا الله، وقتها ستضئ أرواحنا وتشرق، وستبتسم الحياة والدنيا حولنا، ولن نجد إلا الخير والسعة واليقين يتبعهم السعادة والرضا بالله، وسنجد حلاوة الايمان وحلاوة اليقين والرحمة والبشرى فى قلوبنا، وقتها ستبتهج وتطمئن نفوسنا وأرواحنا، ويشرق ويضئ وجداننا، يقول الله جل شأنه فى محكم تنزيله
﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾[ سورة التوبة: 21]
صدق الله العظيم.
إضاءات وإشراقات مع الإمام أبو القاسم الجنيد البغدادي