مقالات

إياك وتتبع أمور الناس وعوراتهم

إياك وتتبع أمور الناس وعوراتهم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الرحيم الرحمن، علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، صلى عليه الله وملائكته والمؤمنون، وعلى آله وأزواجه وخلفائه وجميع أصحابه ومن تبعهم بإحسان ثم أما بعد لقد علم النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله حسن الظن بالناس ونهاهم عن سوء الظن وطبق لهم ذلك عمليا، فقد طلب أعرابي يوما من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فأعطاه، ثم قال له “أأحسنت إليك ؟ فقال الأعرابي لا، لا أحسنت ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كفوا، ثم دخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئا ثم قال أأحسنت إليك ؟

قال نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم إنك قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإذا أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك، قال نعم، فلما كان الغداة جاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه فزعم أنه رضي، أكذلك يا أعرابي ؟ فقال الأعرابي نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم بشرا وقال إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه، فتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحب الناقة خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق وأعلم، فتوجه لهل صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هونا هونا حتى جاءت وإستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار ” رواه ابن حبان.

لذا فقد سار السلف الصالح على هذا النهج القويم وطبقوه في حياتهم منهجا وسلوكا، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا ” وهذا هو الصحابي أبو دجانة رضي الله عنه فقد دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل، فقالوا له ما لوجهك يتهلل؟ فقال ” ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليما” لذا فإنه لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيرا إلى أفعال الناس فيراقب هذا ويتابع ذاك ويفتش عن أمر تلك، بل الواجب عليه أن يقبل على نفسه فيصلح شأنها ويقوّم خطأها ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية، فإذا شغل نفسه بذلك لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع أمور الناس وعوراتهم.

حرصا منه صلى الله عليه وسلم على شغل المسلم نفسه بالخير، وعدم الوقوع فيما لا يغني من الله شيئا، فإن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين، فقال بكر بن عبد الله المزني كما في ترجمته من تهذيب التهذيب ” إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظن بأخيك ” وقال أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك لعل لأخي عذرا لا أعلمه”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى