![](https://mawtany.com/wp-content/uploads/2025/01/inbound8975042386043805176.jpg)
التنمية في الإسلام: رؤية شاملة لعمارة الأرض وتحقيق العدالة
محمود سعيدبرغش
التنمية في الإسلام ليست مجرد عملية اقتصادية أو مادية تهدف إلى زيادة الإنتاج والثروات، بل هي مفهوم شامل يتناول جميع جوانب الحياة الإنسانية، بدءًا من الفرد وانتهاءً بالمجتمع. إنها عملية تكاملية تجمع بين الإشباع المادي والارتقاء الروحي، مع تحقيق العدل في التوزيع، وفقًا لمنهج الله وشريعته.
التنمية كتكليف إلهي
يرى الإسلام أن الإنسان مكلّف بعمارة الأرض وتحقيق التنمية المستدامة فيها. فقد قال تعالى: “هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” [هود: 61]، مما يوضح أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بأن يكون خليفة في الأرض يعمرها بالخير والصلاح. فالتنمية في الإسلام ليست خيارًا، بل واجب شرعي لتحقيق مقاصد الاستخلاف، من خلال استثمار الموارد المتاحة بما ينفع البشرية ويضمن استدامتها.
التنمية ليست مادية فقط
إن النظرة الإسلامية للتنمية تتجاوز حدود المادة لتشمل الجوانب الروحية والأخلاقية. فالتنمية الحقيقية ليست مجرد زيادة في الدخل القومي أو تحسين للبنية التحتية، بل هي عملية تهدف إلى بناء الإنسان نفسيًا وروحيًا، وجعله محورًا للتنمية وغايتها. يقول تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” [الإسراء: 70]، مما يدل على أن الإسلام يعطي الإنسان قيمة عليا، ويعتبره العنصر الأهم في تحقيق التنمية.
تحقيق العدالة في التوزيع
التنمية في الإسلام لا تقتصر على زيادة الإنتاج، بل تشمل ضمان العدالة في توزيع الثروات والموارد. قال تعالى: “وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ” [الحديد: 7]، مما يشير إلى أن المال والثروات ليست ملكًا مطلقًا للفرد، بل هي أمانة يجب استثمارها لتحقيق الخير للجميع. العدالة الاجتماعية في الإسلام تضمن حق الفقراء والمحتاجين في موارد المجتمع، من خلال الزكاة والصدقات وغيرها من أدوات التكافل الاجتماعي.
التوازن بين الفرد والمجتمع
الإسلام يولي اهتمامًا كبيرًا بتحقيق التوازن بين حقوق الفرد واحتياجات المجتمع. فالفرد في الإسلام له حقوقه التي يجب احترامها، لكنه في الوقت نفسه جزء من مجتمع أكبر، وبالتالي فإن أي تعارض بين المصالح الفردية والجماعية يُقدَّم فيه مصلحة المجتمع. قال تعالى: “وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ” [الأعراف: 10]، مما يبرز أن الله سخّر الموارد لتحقيق المصلحة العامة.
أهداف التنمية في الإسلام
1. إعمار الأرض وفق منهج الله: التنمية تهدف إلى استخدام الموارد الطبيعية والبشرية بشكل يحقق رضا الله ويضمن استمرارية الحياة.
2. تحقيق الكفاية والعدالة: التنمية تعمل على تحقيق الكفاية الاقتصادية مع ضمان التوزيع العادل للثروات بين أفراد المجتمع.
3. الارتقاء بالإنسان: التنمية تشمل بناء الإنسان أخلاقيًا وروحيًا ليكون عضوًا منتجًا وصالحًا في المجتمع.
التنمية في الواقع المعاصر
ة أمانة يجب الحفاظ عليها وتنميتها بما يضمن حقوق الأجيال القادمة. كما أن الإسلام يعارض التنمية التي تركز فقط على الجانب المادي، ويطالب بتنمية شاملة تشمل الأخلاق والقيم.
التنمية في الإسلام ليست مجرد عملية اقتصادية، بل هي رؤية حضارية شاملة تهدف إلى بناء مجتمع متوازن يحقق الكفاية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، والتنمية الروحية. إنها عملية إنسانية تهدف إلى عمارة الأرض بما يرضي الله، وتحقق الخير للأمة كلها، وفقًا لمنهج قويم يجمع بين المصلحة الفردية والجماعية.