مقالات

الحرب الأهلية: سقوط الإمبراطورية يبدأ من الداخل

“الحرب الأهلية: سقوط الإمبراطورية يبدأ من الداخل

"الحرب الأهلية: سقوط الإمبراطورية يبدأ من الداخل

بقلم الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

البداية: أمريكا التي عرفناها… تحترق!

صورة مروّعة تملأ الشاشة: طائرات أباتشي تحلّق فوق مانهاتن، تمثال الحرية ينعكس على مياه ملوثة بالحطام، والبيت الأبيض يشتعل في الخلفية… هذا ليس خيالًا مريضًا، بل مشهد افتتاحي لفيلم Civil War الذي لم يأتِ ليحكي قصة… بل ليهزّ يقينًا ظلّ راسخًا لعقود:

“أمريكا، القوة العظمى، ليست محصّنة من السقوط.”

القصة التي تشبه كابوسًا واقعًا

في عالم غير بعيد عن واقعنا، تتفتت الولايات المتحدة إلى معسكرات متناحرة.
تحالف غربي بقيادة تكساس وكاليفورنيا يرفع السلاح ضد الحكومة المركزية في واشنطن.
الطرق مغلقة.
السماء تعج بالطائرات.
المدن تنهار… الواحدة تلو الأخرى.

وسط هذا الجحيم، تنطلق المصورة الصحفية لي في مغامرة انتحارية من نيويورك إلى العاصمة المنهارة، لتوثّق ما تبقى من بلدٍ كان يُفترض أنه أقوى ديمقراطية في العالم. لا تحمل بندقية… بل كاميرا. لا تبحث عن نصر عسكري… بل عن الحقيقة.

من الحرب على الأرض إلى الحرب على الوعي

الفيلم لا يركّز على الرصاص فقط، بل على ما يُشعل الفتيل:

رئيس مهووس بالسلطة، تجاوز الخط الأحمر.

إعلام ملوّث يُعيد تشكيل الواقع بتركيبة دعائية قاتلة.

شعب ممزق بين يمين متطرف ويسار ثائر.

مؤسسات عتيقة تتآكل بصمت، والعدالة… صارت مهزلة.

Civil War ليس حربًا بالسلاح فقط، بل حرب وعي وذاكرة وشرعية.

المشاهد التي لا تُنسى

صحفي يُقتل وهو يحاول إنقاذ ذاكرته الرقمية.

قناص يعتلي كنيسة… يطلق النار على المدنيين بلا تمييز.

طائرة تسقط فوق الكونغرس… بينما يرفع أحدهم علمًا كُتب عليه: “استعدنا الوطن”.

وجوه مذعورة، أعين شاخصة، وأصوات أطفال تبكي خلف الأنقاض.

كل مشهد… طعنة في صدر الحلم الأمريكي.

الفيلم أم الواقع؟ من يُقلّد من؟

قد يبدو ما تراه في الفيلم خيالًا سينمائيًا، لكن الواقع يقترب منه أكثر مما تتصور:

ترامب أم بايدن؟ النقاش تجاوز الأسماء، وأصبح معركة وجود.

سلاح في كل بيت؟ نعم… وأكثر من 400 مليون قطعة سلاح بأيدي المدنيين.

انقسام عنصري؟ الجرح لم يلتئم منذ جورج فلويد… بل ازداد اتساعًا.

تشكيك في الانتخابات؟ حتى الديمقراطية لم تعد مقدسة.

الفيلم لا يتنبأ بالمستقبل… بل يُعيد إنتاج الحاضر بلقطة مقرّبة مكبّرة.

الكاميرا تقاتل… نعم، تقاتل!

البطلة ليست جندية ولا عميلة استخبارات، بل صحفية تحارب بالكلمة والصورة.
تخاطر بحياتها لتوثّق ما يحاول الجميع إنكاره.
تقف في وجه الرصاص… لا لتنتصر، بل لتُبقي الحقيقة حيّة، ولو على فراش الاحتضار.

المشهد الأخير… صفعة في وجه العالم

وفي اللحظة التي يظن فيها المشاهد أن كل شيء قد انتهى، تصمت البنادق، ويعلو صوت واحد فقط:

“الحرب لا تبدأ عندما نختلف… بل تبدأ عندما نتوقف عن الاستماع إلى بعضنا البعض.”

هذه الجملة… ليست مجرد نهاية للفيلم، بل بداية لتساؤل مرعب:
كم من شعوبٍ سقطت لأنها توقفت عن الاستماع؟
وكم من دولٍ احترقت لأن كل طرف فيها كان يصرخ… دون أن يُنصت؟

خاتمة: حين تُنذر السينما… فلا تتجاهل النداء

Civil War ليس فيلمًا عابرًا.
إنه صفارة إنذار سينمائية، لا تُنبئ فقط بسقوط محتمل لأمريكا، بل تُذكّر كل أمة في هذا العالم أن:

الانقسام الداخلي أخطر من أي عدو خارجي.

الحقيقة أول ما يُدفن في الحروب.

الإصغاء… هو آخر فرصة للنجاة.

فلا تنخدع بالبداية المضيئة… فكل إمبراطورية، تبدأ نهايتها من شرارة داخلية.

“الحرب الأهلية: سقوط الإمبراطورية يبدأ من الداخل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى