شريط الاخبار
الدكروري يتكلم عن عمار وأمه سمية
الدكروري يتكلم عن عمار وأمه سمية
بقلم / محمــــد الدكـــروري
في خير بقاع الأرض وأحب البلاد إلي الله مكة المكرمة فقد سمع عمار بن ياسر عن محمد بن عبد الله وعن دينه الجديد فأعجبه ذلك الدين الذي يسوي بين كل الناس في الإنسانية والكرامة والعدالة، فتسلل خفية حتى دخل دار الأرقم، وهناك أعلن إسلامه وشهد أن لا إلا الله وأن محمد رسول الله، وعاد إلى بيته فرحا مستبشرا، سألته أمه سمية ما لي أراك مسرورا يا عمار، فشرح عمار لأمه ما عرفه عن الإسلام وتلا عليها قول الله تعالى من سورة الحجرات ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” فقفزت سمية من مجلسها واستبشرت بانبعاث العدالة والكرامة والخلاص من العبودية، فدمعت عيناها وهي تتذكر صورة سيدها.
وهو يلقي إليها فتات الخبز وبقايا الطعام، ورنت في أذنها كلماته القاسية وأوامره الفظة، وتذكرت الليالي التي قضتها وهي تبكي وتدعو بالفرج القريب لعله جاء، صاحت بلوعة خذني إليه يا عمار، خذني لرسول الله، فاستقبل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سمية وابنها بالحفاوة والتكريم ولقنها كلمة التوحيد وسمعها وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وخرجت من مجلس رسول الله منشرحة الصدر، وسكن قلبها شعور بالقوة والأمل، شعور بالعزة لم تذق طعمه من قبل، استغرب سيدها للانقلاب المفاجئ الذي اعتراها، لم تعد سمية تلك العبدة الضعيفة التي تطأطئ رأسها خوفا من جبروته، لم تعد تبكي بصمت عندما يشتمها، بات يقلقه ذلك البريق المضيء الذي يلمع في عينيها، شعر به كأنه أسهم من نار تطير نحوه.
وكان لم يكن أحد يعرف أنها أسلمت، ومضت سنة تقريبا على إسلام السيدة سمية وزوجها ياسر وولديها عمار وعبد الله، واستطاعوا خلال تلك السنة أن يخفوا إسلامهم، ولكن إلى متى؟ لا يمكن إلا أن يتنفس الصبح بعد العسعسة، وعندما قال الله تعالى لرسوله ” فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين” هنا أظهرت إسلامها ولم تعبأ بقريش ولا بجبروت قريش، وكانت سمية من ضمن قافلة العبيد والضعفاء المتألبين على طغيان الأسياد، فأثار هذا شراسة بني مخزوم، سمية التي لا تملك حولا ولا قوة تريد التحدي وتقوى على الصمود، سنرى وسترى، سنجعلها عبرة لمن يعتبر، هكذا قالوا، صاروا يخرجونها إلى رمال مكة التي تغلي كلهب النار، يخرجونها كل يوم.
ويبدؤن في صب صنوف الأذى والاضطهاد عليها وعلى زوجها ياسر وابنها عمار، جلدا بالسياط، تحريق بالنيران، تعرية وجر على الرمال، تجويع وتعطيش، تغريق بالماء، وكانوا يتلذذون بالنظر إلى جروحهم ودماءهم، ويستعذبون أصواتهم وآهاتهم وآلامهم، كانوا يتناوبون على تعذيب هؤلاء الضعاف، كلما تعب جلاد تولى الضرب غيره، وغيره الكثير، فقد نصب بنو مخزوم خباء ليستريحوا فيه من أجساد المعذبين الذي تتلقى الضرب دون خوف ولا تراجع، وها هي سمية والأغلال في يديها وقدميها، وأحد رجال بني مخزوم يهوي بالسوط على جسدها النحيل الواهي فيأكل السوط بعض لحمها، ويشرب شيئا من دمها، بعد أن ضربها وضربه رمى السوط من يده وهو يعض على شفته غيظا وحنقا.
والعرق يكسوه من رأسه إلى قدميه، نظر إليها بحقد واستغراب ما تزال على حالها، تنظر إلى السماء بطمأنينة وقد افتر ثغرها عن ابتسامة عجيبة ورغم الآلام والجراح والدماء المتساقطة، فكان قلبه يخفق بشدة وقد هزه العطش، وهزه التعب، لم يستطع عقله المصدوم أن يفسر ما يجري، كيف تملك هذه الأمة الحقيرة كل تلك القوة رغم ضعفها وهوانها، لماذا يشعر هو بالخوف من نظراتها إليه أليس هو السيد؟ أليس هو من يمسك بالسوط ويضرب ويعذب، لماذا يخاف إذن؟ عاد الهوينا إلى أصحابه وسلم السوط إلى رجل آخر ليكمل المهمة، ولم يعد أولئك الجلادون يريدون من سمية سوى أن تكفر بدين محمد ودينه ولو بلسانها.
الدكروري يتكلم عن عمار وأمه سمية