الدكروري يكتب عن العزم والإصرار
الدكروري يكتب عن العزم والإصرار
بقلم / محمــــد الدكــــروري
إن النجاح في العمل لا يأتي إلا بالقوة والعزم والإصرار ولقد رأيناها بجلاء في سيرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم وهم ينهضون بتكاليف هذا الدين، فهذا الخليفة الراشد والصحابي الجليل عمر رضي الله عنه عند هجرته يقف متحديا قريشا قائلا “إني مهاجر، فمن أراد أن تثكله أمه أوتتأيم امرأته أو يُيتم ولده فليتبعني، فلم يجرؤ أن يراجعه أحد” وهؤلاء الأبطال المغاوير من الصحابة رضي الله عنهم الذين خرجوا لغزو حمراء الأسد، وقد أثخنتهم الجراح، وفقدوا الظهر في غزوة أحد منذ سويعات، فما وهنو لما أصابهم في سبيل الله، بل قاموا بقوة الأبطال وعزم الرجال لملاحقة المشركين، حتى كان الأخف جرحا يحمل أخاه الأثقل إصابة، وهذا العملاق الفذ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في عزوة مؤته.
تقطع يمناه التي تَحمل الراية فيرفعها بيسراه فتلحق هي الأخرى بأختها فيحتضنها بعضدية حتى تظل خفاقة مرفرفة ما بقيت فيه عين تطرف رضي الله عنهم أجمعين، وكما أن العمل المتصل بجد وتعب نراه على أكمل وجه في تبليغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الدعوة في السر والعلن، والعسر واليسر بلا كلل ولا ملل ولما أراد قومه أن يثنوه بالترغيب والترهيب، قال كلمة أولي العزئم الماضية، والهمم العالية “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه” وظل صحابته رضوان الله عليهم ماضين على درب الحق في دأب ومثابرة وجد، فتركوا الأوطان والديار والأهل والولد والمال، وجاهدوا بالنفس والمال.
وواجهوا مكائد المشركين والمنافقين واليهود والفرس والروم، وركبوا الصعاب وخاضوا المعامع، حتى مكن الله بهم لهذا الدين، فخفقت راياته في كل الأرجاء وعز سلطانه، وعم نفوذه ممالك ذلك الزمان، والمثابرة في طلب العلم، ويقول بعض السلف اطلب العلم من المهد إلى اللحد، أي منذ الطفولة إلى الموت، وكان كثير من السلف يطلبون العلم ويكتبونه، فيدخل أحدهم إلى الأسواق ومعه المحبرة الدواة التي فيها الحبر وسنه كبيرة فيُقال لا تزال تحمل المحبرة؟ فيقول مع المحبرة إلى المقبرة، أي لا نزال نواصل العلم، وقيل لابن المبارك إلى متى تطلب العلم قال حتي الممات إن شاء الله، وقد روي في الأثر ” إذا أتي علي يوم لم أزد فيه علما يقربني من الله عز وجل فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم ”
ونسمع عن الأولين أن أحدهم يسافر مسيرة شهر وشهرين في طلب حديث أو أحاديث ويغيب عن أهله سنة أو سنتين أو سنوات كل ذلك لطلب العلم ولا يملون، ولا يقولون أضعنا أهلنا، أو هجرنا بلادنا لأن الدافع قوي وهو تحصيل العلم النافع، فهكذا يكون طالب العلم، وروي عن العالم البيروني يتعلم مسألة في الفرائض وهو في مرض موته، وقد سألت امرأة السيدة عائشة رضي الله عنها، فقالت “يا أم المؤمنين كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم، أى بعتها له بثمانى مائة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بستمائة، فنقدته الستمائة، وكتبت عليه ثمانمائة” فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها “بئس والله ما اشتريت، وبئس والله ما اشترى، أخبرى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب”
فقالت المرأة للسيدة عائشة رضى الله عنها “أرأيت إن أخذت رأس مالي، ورددت عليه الفضل؟ فقالت لها ” إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم” فهكذا البيوع التي يتعاطاها الناس في حياتهم، من البيوع والمعاملات المحرمة، التي رأينا بعض الناس يتساهلون فيها، دون أن يفطنوا إلى موقف الشرع منها، مع أن التجار مطالبون بالحيطة الشديدة في كسبهم، وكثرة التصدق، حتى تسلم أرزاقهم مما قد يشوبها من الحرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة” رواه ابن ماجة، ولا يخفى عليكم أن أخطر موضوع فى الدين بعد الإيمان بالله عز وجل هو الحلال والحرام، لأنك بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، بعد أن تستقر حقائق الإيمان في نفس المؤمن، وهو إيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى.