Uncategorized

الفقه الإسلامي: تشريع شامل لكل جوانب الحياة  

الدكتور علي عبد العزيز مدرس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة المنصورة بتصريح خاص ل "موطني "

الدكتور علي عبد العزيز مدرس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة المنصورة بتصريح خاص ل “موطني ” الفقه الإسلامي: تشريع شامل لكل جوانب الحياة

 

القاهرة : الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر

 

لا شك أن الفقه الإسلامي يمثل كنزًا تشريعيًا عظيمًا، فهو ليس مجرد مجموعة من الأحكام الدينية التي تنظم علاقة الإنسان بربه فحسب، بل هو نظام شامل ينظم جميع جوانب الحياة الإنسانية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو الدولي. ومن خلال دراسة متأنية للفقه الإسلامي، نجد أنه قد سبق التشريعات الوضعية الحديثة في تنظيم الحياة البشرية بكل تفاصيلها، حيث اشتمل على جميع فروع القانون الوضعي بتقسيماته الحالية. وفي هذا المقال، سنلقي الضوء على كيفية تناول الفقه الإسلامي لهذه الفروع بشكل مفصل.

الدكتور علي عبد العزيز مدرس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة المنصورة بتصريح خاص ل "موطني " الفقه الإسلامي: تشريع شامل لكل جوانب الحياة

1. القانون الدولي العام (Public International Law)

القانون الدولي العام هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والأشخاص الاعتبارية المعترف بها دوليًا. وقد تناول الفقه الإسلامي هذا الجانب تحت عنوان “السير والمغازي”، حيث بحث الفقهاء العلاقات الدولية في حالتي السلم والحرب، وأساليب إدارة الصراعات، وأهداف الحروب، ونتائجها، وعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول.

 

ومن أبرز المؤلفات في هذا المجال كتاب “السير والمغازي” لابن إسحاق المطلبي (ت 151 هـ)، الذي يعد من أوائل الكتب التي تناولت العلاقات الدولية في الإسلام. كما تناول الفقهاء قضايا مثل المعاهدات الدولية، وحقوق الأسرى، وضوابط الحرب والسلام، مما يدل على سمو التشريع الإسلامي وشموليته في تنظيم العلاقات الدولية.

 

2. **القانون الجنائي (Criminal Law)

القانون الجنائي هو مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم وتفرض العقوبات المناسبة لها. وقد أفرد الفقهاء أبوابًا خاصة للحدود والجنايات والتعزيرات، حيث تناولوا الجرائم والعقوبات بتفصيل دقيق.

 

فالحدود في الشريعة الإسلامية تشمل جرائم مثل السرقة والزنا والقذف، بينما تناولت الجنايات القتل والجرح، والتعزيرات هي العقوبات التقديرية التي يقررها القاضي حسب ظروف الجريمة. وقد وضع الفقهاء ضوابط دقيقة لتطبيق هذه العقوبات، مع مراعاة العدل والرحمة، مما يجعل التشريع الجنائي الإسلامي نموذجًا متوازنًا بين حفظ الحقوق وردع الجريمة.

 

3. القانون المالي (Financial Law)

القانون المالي هو مجموعة القواعد التي تنظم مالية الدولة وهيئاتها العامة. وقد تناول الفقه الإسلامي هذا الجانب تحت عناوين مثل الزكاة والخراج والجزية والعشر والركاز.

 

فالزكاة تمثل نظامًا ضريبيًا عادلًا يراعي الفقراء ويدعم الاقتصاد، بينما الخراج والجزية هما ضريبتان على الأراضي المفتوحة وغير المسلمين، مع ضمان حقوقهم وحرياتهم. وقد وضع الفقهاء قواعد دقيقة لتوزيع هذه الأموال بما يحقق العدالة الاجتماعية ويحفظ استقرار الدولة.

 

4. القانون الدستوري (Constitutional Law)

القانون الدستوري هو مجموعة المبادئ والأحكام التي تنظم أسس الدولة وسلطاتها. وقد تناول الفقه الإسلامي هذا الجانب من خلال القواعد الأصولية والفقهية الكلية التي تحكم حياة الناس وتنظم شؤون الدولة.

 

فمبدأ الشورى، الذي أرساه القرآن الكريم، يعد أساسًا لنظام الحكم في الإسلام، كما تناول الفقهاء قضايا مثل بيعة الحاكم، ومسؤولية الحكام تجاه الرعية، وضمان حقوق الأفراد. وقد ألف العلماء كتبًا مثل “الأحكام السلطانية” للماوردي (ت 450 هـ)، الذي يعد مرجعًا مهمًا في الفقه الدستوري الإسلامي.

 

5. القانون الإداري (Administrative Law)

القانون الإداري هو مجموعة القواعد التي تنظم نشاط الإدارة والسلطة التنفيذية. وقد تناول الفقه الإسلامي هذا الجانب تحت عنوان “السياسة الشرعية” أو “الأحكام السلطانية”.

 

فقد وضع الفقهاء قواعد لتنظيم عمل الولاة والقضاة، وضمان حسن إدارة شؤون الدولة، مع مراعاة العدل والشفافية. ومن أبرز المؤلفات في هذا المجال كتاب “الأحكام السلطانية” للماوردي، الذي تناول تنظيم السلطات وواجبات الحكام.

 

6. القانون المدني والتجاري (Civil and Commercial Law)

القانون المدني هو المنظم للأحوال المدنية، بينما القانون التجاري ينظم المعاملات التجارية. وقد تناول الفقه الإسلامي هذه الجوانب تحت عنوان “المعاملات”، حيث نظم العقود والبيع والشراء والشركات والمضاربة والرهن وغيرها.

 

كما تناول الفقهاء قضايا مثل الإفلاس (التفليس) ووضعوا قواعد لتنظيم العلاقات التجارية، مع إعطاء العرف دورًا مهمًا في تحديد بعض التفاصيل، مما يدل على مرونة التشريع الإسلامي وقدرته على التكيف مع تغير الظروف.

 

7. قانون المرافعات (Procedural Law)

قانون المرافعات هو مجموعة القواعد التي تنظم الإجراءات القضائية. وقد تناول الفقه الإسلامي هذا الجانب في أبواب الدعوى والقضاء والشهادة، حيث وضع الفقهاء قواعد دقيقة لإجراءات التقاضي، وضمان حقوق الخصوم، ومراعاة العدل في إصدار الأحكام.

 

من خلال هذا العرض، يتضح أن الفقه الإسلامي قد سبق التشريعات الوضعية في تنظيم جميع جوانب الحياة، بدءًا من العلاقات الدولية وانتهاءً بالمعاملات الفردية. وقد كان لفقهائنا القدامى فضل كبير في وضع الأسس التي استفادت منها التشريعات الحديثة.

 

لذا، فإن دراسة الفقه الإسلامي ليست فقط واجبًا دينيًا، بل هي ضرورة علمية وعملية لفهم أصول التشريع واستلهام الحلول لمشكلات العصر. فالفقه الإسلامي ليس تراثًا ماضيًا، بل هو نظام حيوي قادر على مواكبة تطورات العصر، وهو ما يجعلنا نفخر بانتمائنا إلى هذا التراث العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى