بسم الله الرحمن الرحيم
ليست السعادةُ تلك الابتسامة العابرة التي ترتسم على الشفاه، ولا هي تلك اللحظة الآنية التي تزول بزوال سببها. ليست السكرة التي تَسكُرُ العقل، ولا المتعة التي تذهب بالروح كلَّ مذهب. كلا، إنها أعمق من ذلك وأسمى. إنها ذلك النور الذي يتسلل إلى أغوار النفس، فيضيء ظلماتها، ويروي ظمأها، ويسكن روعها. إنها السكينة التي تستقر في القلب عندما يجد مرساه الأخير في خالقه.
أسمى سعادةٍ يتذوقها المرء هي تلك اللذة الروحية التي يجدها في عبادة الله، حين ينفرد العبد بربه، فيخشع قلبه، وتدمع عينه، وتنكسر نفسه بين يديه. إنها شعور لا يوصف، كأنما النفس تُغْتَسل من ذنوبها، وتتطهر من همومها، فترتفع إلى عالم الأنوار، بعيداً عن ضجيج المادة وصراعاتها. هناك، في محراب المناجاة، يشعر الإنسان بأنه ليس عبداً فحسب، بل هو حبيبٌ ينتشي بقربه، ويطير فرحاً بلذيذ مناجاته.
ولكن السمة العظيمة لهذه السعادة أنها لا تقف عند حدود الشعور الفردي، بل تتعداه إلى الفعل والخير والعطاء. إنها سعادةٌ تفيض على الآخرين، فتكتمل بذلك بهجتها. أليست منتهى السعادة أن تمسح على رأس يتيم، فتشعر بدفء يدك على رأسه الصغير، وترى في عينيه نظرة الأمل التي عادت إليه بعد يأس؟ أليست سعادةً حقيقية أن تعلم أن كل شعرة مرت عليها راحة كفك سترفعك درجة عند ربك؟ إنها حسنة بعد حسنة، ونورٌ بعد نور.
ويكفينا شرفاً أن نبيّنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – قرن نفسه بكافل اليتيم في الجنة، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى قائلاً: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا». إنها رفقة الخلود في دار النعيم، فما أعظمها من منزلة، وما أجلها من غاية.
فالسعيد حقاً هو من أدرك أن سعادته ليست في ما يجمع، بل في ما يعطي. ليست في ما يملك، بل في ما يمنح. إنها في العبادة التي تشعره بقيمته ومعنى وجوده، وفي العمل الصالح الذي يترك أثراً طيباً في دنيا الناس، فيقرّبه من ربه، ويرسم البسمة على وجه إنسان.
فطوبى لمن جعل سعادته في رضا مولاه، وطوبى لمن وجد في العطاء لذة، وفي البذل متعة، فكانت دنياه جنةً قبل الآخرة، وسعادته حقيقة لا ظلاً زائفاً.
بسم الله الرحمن الرحيم