
تحذير الإسلام من الإتكالية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح باب التوبة للمذنبين، ووعد بحسن العاقبة للصادقين، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد برز إهتمام الإسلام بالعمل في عدة مواضع، فورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وجاء إهتمام الإسلام بالعمل والحث عليه انطلاقا من أهميته البالغة ودوره في حياة الفرد والمجتمع معا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ” رواه البخاري.
تحذير الإسلام من الإتكالية
ففي الحديث النبوي الشريف السابق وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم مدى هذه الأهمية التي تحث العبد على المضي قدما وضرورة الكسب الحلال لضمان حياة كريمة له، كما إستدل بخير مثال ضربه عن نبي الله داوود عليه السلام بالعمل، وفي الذكر الحكيم أمر الله سبحانه وتعالى صراحة عباده بالسعي في مناكب الأرض بحثا عن الرزق، وحذر من التقاعس عن العمل والتكاسل، كما حذر الإسلام من الإتكالية على الغير في تأمين القوت والحياة الكريمة، فقد ذم الإسلام القعود عن العمل والتواكل وإعتبره بمقام المهانة والمذلة للإنسان في الحياة الدنيا، خاصة إذا كان لديه القدرة على العمل وتقاعس عنه بإرادته، فيا أخي الحبيب العامل في الميدان تأمل معي أرشدني الله وإياك للصواب هذا الحديث العظيم الذي رواه البيهقي ” أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره،
ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن ” وفي لفظ ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه ” رواه البيهقي، فانظروا لهذا التوجيه النبوي الكريم بإتقان العمل حتى في تسوية القبر الذي لا ينفع الميت بشيء، ولكنه التوجيه التربوي الذي لا بد أن نجعله نصب أعيننا في كل عمل نقوم أو نكلف به، فشريعتنا الإسلامية حثتنا على التمييز والإتقان في العمل وأمرتنا بالبعد عن الإهمال والتقصير، وأن عملنا معروض على الخالق سبحانه وتعالي، فإذا أرادت أى أمة من الأمم التقدم والازدهار، فعليها أن تؤسس للمستقبل كما تبنى الحاضر، وهذا المبدأ رسّخه الإسلام ودعا إليه، وسار عليه السابقون من أصحاب رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي ما يمنعك أن تغرس أرضك؟
فقال له أبي أنا شيخ كبير أموت غدا، فقال له عمر أعزم عليك لتغرسنها، فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي ” وعن الحارث بن لقيط قال كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فجاءنا كتاب عمر أن أصلحوا ما رزقكم الله فإن في الأمر تنفسا ” وفى هذا المعنى يقول المناوي أيضا أخذ معاوية في إحياء أرض له، وغرس نخل في آخر عمره، فقيل له فيه، فقال ما غرسته طمعا في إدراكه، بل حملني عليه قول الأسدي ” ليس الفتى بفتى لا يُستضاء به ولا يكون له في الأرض آثار ” ومما يذكر في هذا المعنى أيضا أن كسرى خرج يوما يتصيد فوجد شيخا كبيرا يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له يا هذا، أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد عدة سنوات، فلم تغرسه؟ فقال أيها الملك، زرع لنا من قبلنا فأكلنا، فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل.
تحذير الإسلام من الإتكالية
فعلينا أن نراقب الله في أعمالنا وفي كل شؤوننا وفي حال التزامنا بعمل يجب علينا القيام به على أكمل وجه يحبه الله ويحبه خلقه، وأن لا ندخل على عملنا عملا آخر قبل إتمام عملنا الحالي إلا بعد إتمامه أو لا يكون معارضا له، فإن تعارض الأعمال وإزدواجيتها مآلها للسقوط والفشل ولا ينال من ذلك إلا التعب البدني، ولا يخفى على الجميع أن العمل بلا إتقان لا ينفع صاحبه ولا ينتفع به وهو مردود على صاحبه، ولنا في حديث المسيء صلاته نموذج حيث قال له المصطفي صلي الله عليه وسلم ” ارجع فصلي فإنك لم تصلي ” فإن الإتقان هو سمة إسلامية وكوننا مسلمون فنحن مطالبون بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو حياتي، فأتقن عملا واحدا تتميز به أفضل من قيامك بأعمال عدة ظاهرة للجميع قد تصنفك في عداد الفاشلين.