مقالات

حين تموت الفضيلة… يُولد الخراب

حين تموت الفضيلة… يُولد الخراب

بقلم: أشرف ماهر ضلع

في زحام الحياة، تتصدع الجدران الاقتصادية، وتترنح الأسواق، وتُعلَن الأزمات بوجه سافر… فيظن الناس أن الخراب قد حلَّ، وأن الزمان قد نكص على عقبيه. لكن الحقيقة التي يغفلها الكثيرون، أن أشد الانهيارات ليست تلك التي تسجلها المؤشرات المالية، بل تلك التي تمزق نسيج القيم وتنسف ضمير الإنسان: إنه انهيار الأخلاق.

المالُ يُعوَّض، والتجارةُ تُستَأنف، والدولُ تنهض من كبواتها متى وجدت عقولًا تدبر، وسواعد تبني. لكن الفضيلة إذا انهارت، فمن يعيدها؟ وإذا سقطت المروءة، فمن ينتشلها؟ إن المجتمعات لا تنهار حين تُفقر، بل حين تُفجَر. لا تموت حين تجوع، بل حين تجحد.

أن يُسرَق الوطن من خزينته أمرٌ فادح، لكن أن يُسرَق من ضمائر بنيه، فتلك الطامة الكبرى. أن يُهان العقل بالجهل مؤلم، لكن أن يُهان الضمير بالصمت، أشدُّ إيلامًا. حين يصبح الغش مهارة، والخيانة دهاءً، والصدق سذاجة… فقد دخلنا عصر الخراب الأخلاقي، ذلك الذي لا يُرمَّم بقرارات ولا يُداوى بقوانين.

انظر حولك، كم من أمة كانت ترفل في النعيم، ثم خانها أبناؤها يوم خانوا قيمها، فانهارت كأنها لم تكن؟ وكم من بلد فقير نبت من صخره عدلٌ، فأزهرت فيه الحياة من جديد؟ إن الأخلاق هي الثروة الحقيقية، وهي حارسة الأمن والكرامة والهوية.

فيا من تبكون على اللقمة الضائعة، أبكوا أولًا على الكلمة الضائعة، على الأمانة المدفونة، على الرحمة التي غابت من القلوب، والحياء الذي وُئِد في المهد. فلن ينهض وطنٌ فقد روحه، مهما اكتنز من الذهب.

إذا أردنا نجاةً، فلنُرمم فينا ما تهدم، ونغرس في أولادنا ما ذبل، ونوقن أن الاقتصاد قد يسقط ثم يقوم، لكن الأخلاق إذا سقطت… فلا قيامة بعدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى