
حينما تصمت العواصم… تتكلم القاهرة بلسان السيادة
بقلم د . هاني المصري
في وقتٍ تسابق فيه بعض الأنظمة العربية لاسترضاء الولايات المتحدة، مُعلنةً خضوعها للهيمنة الغربية ولو على حساب كرامتها وسيادتها، خرجت مصر بموقفين متتاليين، كلاهما صفعة مدوية في وجه الغطرسة الأمريكية، ورسالة واضحة: هنا تقف أمة ذات تاريخ، وهنا تُرسم حدود الكرامة الوطنية.
رفض التهجير… لا وطن بديل لفلسطين
عندما طرحت الإدارة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، فكرة استقبال مصر لأهالي قطاع غزة المهجّرين قسرًا من بيوتهم، في محاولة لإفراغ الأرض الفلسطينية من شعبها، جاءت الإجابة المصرية حاسمة: لا للوطن البديل، لا لتمرير مخططات تصفية القضية. فقد رفضت القاهرة ” رسميًا وشعبيًا “
هذا المقترح المسموم، مؤكدة أن سيناء أرض مصرية خالصة، وأن الفلسطينيين لا يمكن أن يُقتلعوا من أرضهم لتوطينهم بقرارات مفروضة.
هذا الموقف لم يكن مجرد رفض دبلوماسي، بل إعلان عن خطوط حمراء تتعلق بالسيادة، والأمن القومي، والانتماء القومي العربي. وبينما كانت بعض العواصم الخليجية تروّج لاتفاقيات تطبيع وتتنافس على نيل الرضا الأمريكي، كانت مصر تقول بملء الفم: لا.
قناة السويس ليست ممرا مجانيا للهيمنة
ثم جاء الموقف الثاني، حين طلبت واشنطن السماح بمرور السفن الأمريكية عبر قناة السويس مجانًا، وكأنها تعتبر الشريان الملاحي العالمي جزءًا من ممتلكاتها. لكن مصر ردّت كما تليق بدولة تحترم نفسها: قناة السويس تحت السيادة المصرية، ولا يُمكن لأي قوة مهما علا شأنها أن تُعفى من التزاماتها. الممر المائي الأشهر في العالم ليس مجرّد ممر، بل رمز لكرامة أمة دفعت آلاف الشهداء في سبيل حمايته واسترداده.
سيادة لا تُساوم… ومواقف لا تُشترى
هذان الموقفان يكشفان عن هوّة شاسعة بين من يملك قراره، ومن يبيع مواقفه على موائد النفوذ الأجنبي. فبينما ترضخ بعض الدول الخليجية للبلطجة الأمريكية، مفضلة الصمت أو المباركة الصامتة لما يُخطط للمنطقة، تصرّ مصر على أن السيادة ليست منحة من أحد، بل حقٌ يُحمى، ويُدافع عنه، ولو كلّف ذلك مواجهات دبلوماسية وسياسية.
مصر، بموقفها من قضية تهجير الفلسطينيين ومن قناة السويس، لا تدافع فقط عن أمنها القومي، بل عن الوعي الجمعي العربي، وعن كرامة شعوب أُرهقت من التبعية. إنها تُعلّم العالم درسًا جديدًا في السيادة، عنوانه: لا قرار يُفرض علينا… ولا وطن يُباع بثمن.
حينما تصمت العواصم… تتكلم القاهرة بلسان السيادة
ختاماً
في زمن يُشترى فيه الصمت، ويُباع فيه المبدأ، خرجت مصر لتقول: نحن لسنا للبيع. ومن قلب المعادلة الجغرافية والسياسية في الشرق الأوسط، تُؤكد أن القوة لا تُقاس بحجم النفط أو عدد القواعد الأجنبية، بل بالقدرة على قول “لا” حين تكون كل الأصوات الأخرى تهمس بـ”نعم”.