سكون الليل وعيون البدر
سكون الليل وعيون البدر .
يقول الشاعر والاديب العربي(جبران خليل جبران) ا
لمزداد في يناير عام 1883م بشمال لبنان ، سوري الأصل ، نزح أحد أجداده من دمشق إلى لبنان ، كان من اسرة فقيرة ، أمّا والدته فهي ابنة أحد العلماء المسيحيين، حيت كان لها أثر كبير في تكوين شخصيتة ، فهي من شجعته على الكتابة والرسم ، كما انها هي التي عرّفته على قصة ألف ليلة وليلة ، وكذا أشعار أبي نواس، فلها الفضل في كونها استطاعت ان تخرجه الى الوجود ليتحول بعد ذلك الى احد رموز الادب الاكثر شهرة سواء في العالم العربي او في الغرب وخاصة في امريكا .
يقول في قصيدته ” سكن الليل ” والتي غنتها المطربة اللبنانية ( فيروز) :
* سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الأحلام
وسعى البدر وللبدر عيون
عيون، عيون ترصد الأيام .”
وسكون الليل ملجا لمن لا ملجا له ، وحضن دافيء لمن قهرته برودة زمن جاوز الحد الأدنى في سلم علاقات غابت عنها الانسانية ، وغابت عنها المودة ، وحرارة اللحمة ، فالليل مؤهل بطبيعته إلى محو كل اثار زَخم الحياة اي كل الأعباء اليومية ، فضلا عن جميع الضغوطات التي يتعرض له المرء .
* فتعالي، فتعالي، فتعالي، فتعالي
يا إبنة الحقل نزور كرمة العشاق
علّنا، علّنا، علّنا، علّنا
علّنا نطفي بذياك العصير
علّنا، علّنا، علّنا، علّنا
علّنا نطفي بذياك العصير حرقة الأشواق
علّنا، علّنا، علّنا، علّنا
علّنا، علّنا، علّنا، علّنا ”
الليل يضع نفسه دايما رهن اشارة كل مقهور ،وكل شخص عانى من التاريخ ، ِاذ يواسي جميع المهمشين والضعفاء الذين لا يستطيعون حيلة ، اولاءك الذين يعانون سويداء قلوبهم ولم يسمع بهم أحد ، الليل ليس كممتلي المركزيات النقابية التي لا تتوانى في بيع ضمايرها عند كل فرصة سانحة ، على حساب حق العامل ، ذون حٌمرة خجل ، او تأنيب ضمير .
* علّنا نطفي بذياك العصير حرقة الأشواق
إسمع البلبل
ما بين الحقول، ما بين الحقول
يسكب الألحان، يسكب الألحان
في فضاء نفخت فيه التلول
فيه التلول
نسمة الريحان، نسمة الريحان
إسمع البلبل
ما بين الحقول، ما بين الحقول
يسكب الألحان، يسكب الألحان
في فضاء نفخت فيه التلول، فيه التلول
نسمة الريحان، نسمة الريحان ”
الليل مع نجومه ، والضوء الخافت لقمره مضيف حاتمي في كرمه ، ومحاور جريء ، لا يخشى من سطوة متربصي الظلام ، او من يصنعوا قراراتهم بعد منتصف الليل ، هاديء في خطاباته ، صدوق في محاورته ، سميع لمعاناتك من غير مَلل ، او تقطيب جبين ، لا مستغرب لشكواك ،ولا يسالك عن سبب بؤسك اللامتناهي ، ولا عن اخفاقاتك سواء النفسية او الاجتماعية ، ولا يحملك مسؤولية ، ولا يعتبرك مُقصرا فيما وصلت اليه ، بل يساندك ظالما كنت أم مظلوما ، لكونه يشعر بواقعك ووطاته الأكبر عليك ، يشعر بالحصار الذي تعانيه ، وما كابدته من ضياع ، ومن نقص حاد في الهواء ، ومن الكلمات التي تفوح شِعرا ، وقافية ممزوجة بعطر الياسمين ، ورايحة البن الذي يتخده عشاق الليل ، من أجل السمر مع الظلمة ، والجمال والسكون ، اعتبارا لكون هذا الاخير له سلطة معنوية ليست بالهجينة، ولا بالرخوة التي لا تتذوق الجمال ،ولا عطر كل نبتة برية ، بل السكون الراقي ،الهادىء كهدوء العواصف البحرية .
* لا تخافي يا فتاتي فالنجوم تكتم الأخبار
لا تخافي يا فتاتي فالنجوم تكتم الأخبار
وضباب الليل في تلك الكروم
وضباب الليل في تلك الكروم
يحجب الأسرار، يحجب الأسرار
يحجب الأسرار، يحجب الأسرار . ”
الليل شاهد حكيم كلقمان الحكيم ، واعظ مُتٌَزن ، ذو بصيرة ثاقبة ، وفكر نير ، يستحيي ان يتدخل فيما لا يجوز إقحام نفسه فيه ، يَناَى عن نفسه النبش في قبر ماضيك ، لا يطارد اخطاءك ، ولا يغلق عليك ابدا مجال بوحك ،حتى تتوقف انت عن ذلك ، يسعى الى فهم ألمك ، وما فقدته من حنين وكل ما جادت به مرادفات قصايد الشعراء من ابجديات القهر والبؤس ضمن محراب قواميس اللغة العربية .
* لا لا تخافي، لا تخافي فعروس الجن
في كهفها المسحور، في كهفها المسحور
هجعت سكرى، سكرى وكادت تختفي
عن عيون الحور، عن عيون الحور ”
الليل بمعشوقاته المتمثلة في النجوم ، لا يمكن له ان يسمع أعماقك ، ويحاورك ، ويضمد جراحك المتخنة بفعل رياح سموم يتعايش من خلالها مجتمع فقد الحِس بعشق الحرف ، والذوق بالجمال ، اِلا بمعية نجومه ، فقد يشعر الليل بالخيانة في حالة ما اذا اوى اليه جريح ، او مكسور الخاطر ان يستقبله بمفرده ، لان الليل والنجوم يشكلان وحدة عُضوية ونفسية وموضوعية ، يعيشان في جبة واحدة ، منسوجة من حرير مخلوط بدموع الابرياء ، وحرارة مكسوري الخواطر ، والعشق الممنوع .
* ومليك الجن إن مر يروح والهوى
والهوى، والهوى يثنيه، يثنيه
ومليك الجن إن مر يروح والهوى
والهوى، والهوى يثنيه، يثنيه
ومليك الجن إن مر يروح والهوى
والهوى، والهوى يثنيه ”
الليل صديق الإنسان الوفي الذي يواسيه كلما اشتد به المَّ او ضيق أو حزنٌ،
* فهو مثلي، مثلي عاشق
فهو مثلي، مثلي عاشق
كيف يبوح بالذي يضنيه
بالذي يضنيه
بالذي يضنيه
بالذي يضنيه
بالذي يضنيه
بالذي يضنيه ”
واخيرا اقول ، فما انشره ليس الهدف منه ، بالدرحة الاولى اِرضاءا لبعض الخواطر ، او البحث عن اِعجاب ، ولكن الهدف الاسمى هو الوقوف على بعض الثغرات الاجتماعية التي تمس كرامة المواطن حيثما وجد ،وحيثما كان ،وخاصة المواطن العربي ، والتنبيه إليها ، وليس معالجتها ، اعتبارا لكوني لا اتوفر على الاليات الكفيلة بالإصلاح ،لأن ذلك من شان من بيده تدبير الشأن العام -وقداصيب احيانا ، واخطىء احايين كثيرة – وفي نفس السياق محاولة لاستخراج ما تنطوي عليه نفسي من عيوب ، و تنفيسا من معاناة تسكن لا شعوري ، وما ورتثه عن اصولي .
وعليه فالليل والكتابة ، مَرفا ترسو عليه كل الخواطر المحطمة ، وكل الأحاسيس المرهفة ، وكل الاشرعة المكسورة ، فالجؤؤا اليهما أيتها النباتات البرية المتمردة لانهما شعلة يتولد من خلالهما اذب المعاناة .
عبدالسلام اضريف.