Uncategorized

شهر سقي الزرع

جريدة موطني

شهر سقي الزرع
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن هناك فريق من الناس وسع الله تعالي عليهم في أرزاقهم وعافاهم في أبدانهم، فغفلوا عن الإستعداد للموت حتى باغتهم، فبدد شملهم وأخذهم على قبيح فعلهم، فلما عاينوا الموت طلبوا الرجوع للدنيا لا لتجارة ولا لمال ولا لأهل ولا عيال وإنما لإصلاح الأحوال وإرضاء القوي المتعال ولكن قد حكم الخالق العظيم أنهم إليها لا يُرجعون، أولئك العصاة والمذنبون اللاهون المضيعون فقد غلب عليهم حبهم لدنياهم فكان لهم في إحتضارهم عذاب وتهويل.

وحيل بينهم وبين الخالق الجليل، وقد ذكر الإمام القرطبي أن أحد المحتضرين ممّن بدنياه انشغل وغرّه طول الأمل لما نزل به الموت وإشتد عليه الكرب، فاجتمع حوله أبناؤه يودعونه ويقولون قل لا إله إلا الله، فأخذ يشهق ويصيح، فأعادوها عليه، فصاح بهم وقال الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا والبستان الفلاني ازرعوا فيه كذا، والدكان الفلاني اقبضوا منه كذا، ثم لم يزل يردد ذلك حتى مات، وترك بستانه ودكانه يتمتع بهما ورثته وتدوم عليه حسرته، وذكر ابن القيم أن أحد تجار العقار ذكّر بلا إله إلا الله عند إحتضاره فجعل يردد، هذه القطعة رخيصة وهذا مشترى جيد وهذا كذا وهذا كذا حتى خرجت روحه وهو على هذا الحال، ثم دفن تحت الثرى بعدما مشى عليه متكبرا، قد جمع الأموال وكثر العيال فما نفعوه في قبره ولا ساكنوه.

واعلموا يرحمكم الله أن شهر شعبان هو شهر السقي والتعهد والتفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده، فقال أبو بكر البلخي ” شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع ” وقال أيضا ” مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر ” ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسقي في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المر واضحا، فقال سلمة بن كهيل كان يقال شهر شعبان شهر القراء وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب بالجفاف.

وإن شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه نظرا لوقوعه بين شهرين عظيمين هما شهر رجب الحرام ورمضان المعظم، وفيه قال الحبيب ” ذلك شهر يغفل عنه الناس” وقد إنقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين، صنف إنصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات، وغالى البعض وبالغ في تعبده في رجب حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان، والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان، فأصبح شعبان مغفولا عنه من الناس، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان، فصار مغفولا عنه، ولذلك قال أهل العلم هذا الحديث فيه دليل على إستحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.

وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، فهي دعوة لوقفة مع النفس، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله ؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق ؟ هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا ونعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى ” ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ” وقوله تعالى ” واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ولا تكن من الغافلين ” سلمنا الله وإياكم من الغفلة ومضارها وجعلنا وإياكم من أهل طاعته على الدوام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى