Uncategorized

صراع 34% ضد 50%.. الصين وأمريكا تشعلان أزمة اقتصادية عالمية

صراع 34% ضد 50%.. الصين وأمريكا تشعلان أزمة اقتصادية عالمية

 

بقلم : نبيل أبوالياسين

 

 

في عالمٍ تتحكم فيه الأرقام بمصائر الشعوب، يشتعل صراعٌ صامت بين عملاقين يُمثلان معاً أكثر من 50% من الناتج المحلي العالمي. الصين (34‎%‎) والولايات المتحدة (50%) لم تعد مجرد دولتين تتنافسان على الهيمنة، بل تحولتا إلى قوتين تَسحبان العالم إلى حافة أزمة اقتصادية قد تُعيد تشكيل ملامح القرن الحادي والعشرين، وبين الرسوم الجمركية والحروب التكنولوجية وحصار الشركات، يتساءل الملايين: هل نحن أمام حرب باردة جديدة؟، أم أن العالم سيدفع ثمناً باهظاً لصراعٍ لا يعترف إلا بلغة الأرباح والخسائر؟.

 

•جذور الصراع: من التنافس إلى المواجهة

 

لم يبدأ الأمر بين يوم وليلة. فبعد عقود من التعاون الاقتصادي الذي حوّل الصين إلى “مصنع العالم”، تحولت العلاقة إلى تنافس شرس حين تجاوز التنين الآسيوي حدود التصنيع ليهدد الهيمنة الأمريكية في التكنولوجيا والابتكار، وإستراتيجية “صنع في الصين 2025” كانت الشرارة التي أطلقت تحركات واشنطن لفرض رسوم جمركية قاسية، وحظر شركات مثل “هواوي”، ومحاولة عزل بكين عن سلاسل التوريد العالمية، وهنا، تحول التنافس إلى حرب مفتوحة.

 

• أسلحة الاقتصاد: من الرسوم إلى الحصار التكنولوجي

 

لا تُخاض الحروب الاقتصادية بالدبابات، بل بالبيانات والتعريفات، وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بقيمة 360 مليار دولار على البضائع الصينية، بينما ردت الصين بحظر نادر على صادرات “المعادن النادرة”، وهي مكونات حيوية للصناعات التكنولوجية والعسكرية الأمريكية، ولكن السلاح الأكثر خطورة كان حرب الرقاقات الإلكترونية، حيث حاولت أمريكا تجويع الصين من أشباه الموصلات، بينما تسابق الصين الزمن لتحقيق اكتفاء ذاتي.

 

• الضحايا الأبرياء: اقتصاديات العالم الثالث بين المطرقة والسندان

 

في حين تتبادل العملاقان الضربات، تتحول الدول النامية إلى ساحة معركة ثانوية, وارتفاع تكاليف الشحن، وأسعار المواد الخام، وتقلبات العملات، أجبرت دولاً مثل باكستان وسريلانكا على شفير الإفلاس، وحتى أوروبا، التي حاولت البقاء محايدة، وجدت نفسها تُجبر على اختيار جانب في حرب قد تكلفها مليارات اليوروات سنوياً.

 

•المخرج الجماعي: خطة عربية لدرء العاصفة

 

في خضمّ انشغال العالم بتبعات الحرب الاقتصادية، تبرز أسئلة مصيرية: هل يمكن لدول عربية تعاني أصلاً من تحديات داخلية، وأن تحمي اقتصاداتها الهشة؟، الإجابة تكمن في خطط استباقية تعتمد على التكامل الإقليمي، ومبادرة “منطقة التجارة الحرة العربية”، التي ظلت حبراً على ورق لعقود، وقد تكون المخرج، عبر تعزيز التصنيع المشترك، وخلق عملة تسوية عربية، وتنويع الشركاء التجاريين لتجنب الوقوع في فخ الاختيار بين العملاقين.

 

والخطوة الأكثر إلحاحاً هي بناء تحالفات مع اقتصادات صاعدة “مثل الهند وإندونيسيا” لخلق تكتلٍ اقتصادي وسطي، يُقلل الاعتماد على الدولار ويُوازن بين الاستيراد من الصين والغرب، وبعض الدول الخليجية بدأت بالفعل بتوجيه استثماراتها السيادية نحو قطاعات حيوية في أفريقيا وآسيا، بينما تعمل مصر والمغرب على مشاريع لتصنيع تكنولوجيات محلية كبديل عن الواردات الصينية والأمريكية.

 

لكن التحدي الأكبر يبقى في إدارة الدين العام، ووقف خروج الأموال العربية إلى الخارج، وتبني استراتيجية رقمنة عاجلة لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وإذا نجحت الحكومات العربية في تحويل الأزمة إلى فرصة لمراجعة نموذج اقتصاداتها، فقد تُكتب لها ولادة جديدة… وإلا فستكون البطاقة الرابحة في يد مَن يدفع أكثر!.

 

•التكنولوجيا: الجبهة الخفية للحرب الباردة الجديدة

 

من يسيطر على التكنولوجيا يسيطر على المستقبل، ولهذا، تحولت معركة الهيمنة على الذكاء الاصطناعي و5G والفضاء الإلكتروني إلى قلب الصراع، وأمريكا تُحذر حلفاءها من “خطر المراقبة الصينية”، بينما تستثمر الصين مليارات الدولارات في بناء مدن ذكية تعتمد على تقنياتها المحلية، والسؤال الأكبر: من سيكتب قواعد اللعبة في العصر الرقمي؟.

 

•مَن سينهض من الرماد؟، سيناريوهات ما بعد الأزمة

 

الخبراء ينقسمون: فريق يتوقع انهيار النظام الاقتصادي العالمي الحالي وولادة نظام ثنائي القطبية، حيث تتحالف الدول مع أحد العملاقين، وفريق آخر يرى أن الضغوط ستدفع الصين وأمريكا إلى طاولة التفاوض، لكن بعد أن تكون قد دمرت جزءاً كبيراً من البنية التحتية للعولمة، والسيناريو الأسوأ؟، اندلاع مواجهات عسكرية غير مباشرة في بحر الصين الجنوبي أو تايوان.

 

وفي الختام : إن العالم يقف على حافة الهاوية، فكل نسبة مئوية تُضاف إلى صراع 34% ضد 50% هي شرارة قد تُشعل ناراً لا تُبقي ولا تذر، ولكن في خضم هذا الظلام، يبقى الأمل: فالتاريخ علمنا أن الحروب الاقتصادية قد تُنهي إمبراطوريات، لكنها أيضاً تدفع البشرية إلى ابتكار حلول لم تكن في الحسبان، والسؤال الآن: هل سنشهد انهياراً أم ولادةً جديدة؟، والإجابة تكمن في قرارات قد تُتخذ في غرف مغلقة ببكين وواشنطن… وقدرة العالم على النجاة من عاصفة لم يُسببها إلا اثنان.

صراع 34% ضد 50%.. الصين وأمريكا تشعلان أزمة اقتصادية عالمية

صراع 34% ضد 50%.. الصين وأمريكا تشعلان أزمة اقتصادية عالمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى