
عاشوراء.. حين انشق البحر وابتلع الظلم
✍️ بقلم: [ أشرف ماهر ضلغ]
في العاشر من المحرّم، يقف التاريخ متأمّلًا أحد أعظم مشاهد النجاة والفداء، حيث لم يكن البحر مجرد ماءٍ يفصل بين ضفتين، بل صار فصلًا بين الكفر والإيمان، وبين الحق والباطل، وبين موسى وفرعون.
كان يومًا فارقًا في عمر الرسالات السماوية، بل في عمر البشرية كلّها، يومًا اصطفاه الله ليكون شاهدًا على انتصار المستضعفين وهلاك المتجبرين، فصار يوم عاشوراء يومًا للنجاة والشكر، ويومًا للذكرى والتأمل.
موسى.. نبيٌّ يحمل رسالةً وقلقًا
مضى موسى عليه السلام وقومه بني إسرائيل في مسير الهروب من براثن الطاغية فرعون، الذي لم يكن يملك سلاحًا أقوى من الغرور والتجبر.
وعندما بلغوا البحر، وخلفهم جنود الموت، ارتجف القوم، وضاقت الأرض، وقالوا بصوت الخائفين:
“إنا لمدركون!”
لكن الإيمان لا يعرف الرهبة، واليقين لا يهتز أمام التهديد، فكان ردّ النبي الواثق بالله:
“كلا، إن معي ربي سيهدين.”
وفي لحظة إلهية فارقة، انفلق البحر بأمر ربه، لتتجلى معجزة الخالق، وتمضي قوافل الإيمان في طريقٍ من ماء مشقوق، وترتجف قلوب الطغاة خلفهم، ويُطْبِق البحر على العناد، فتُطوى صفحة فرعون بغرقٍ ماحق، لا يُبقي له مجدًا ولا أثرًا.
عاشوراء.. من الحكاية إلى الحكمة
لم يكن هذا اليوم مجرّد نجاة لقوم ونهاية لطاغية، بل تحوّل إلى رمزٍ أزليّ للحق المنتصر، والصبر المجاب، والظلم الذاهب هباءً.
ويكفي أن يوم عاشوراء بقي محفوظًا في قلوب الموحدين، حتى جاء النبي محمد ﷺ، فصامه شكرًا لله، وقال:
“نحن أولى بموسى منهم.”
وجعل صيامه سنةً محمودة، وأوصى بمخالفة اليهود بصيام التاسع معه.
دروس مستفادة.. خالدة لا تموت
1. الثقة بالله تصنع المعجزات:
“إن معي ربي سيهدين” ليست جملة بلاغية، بل شهادة إيمان لا تعرف اليأس، قالها موسى أمام البحر والموت، فصار البحر طريقًا، والموت حياة.
2. الطغيان زائل ولو طال:
فرعون جمع المال، وحشد الجند، وسجدت له الرقاب، لكنه انتهى في لحظة، وغرق في نفس البحر الذي ظنه سلاحًا ضد خصومه.
3. المستضعفون قد ينتصرون إن صدقوا:
خرج بنو إسرائيل حفاة، جياعًا، خائفين، لكنهم حملوا معهم سلاحًا واحدًا: الإيمان، فكان كافيًا.
4. الذكرى نورٌ للأمم:
تخليد عاشوراء بالتأمل والصيام وتربية النفس هو جزء من هوية المؤمن، لا مجرد مناسبة تمرّ.
عاشوراء في قلب الواقع
إذا كان عاشوراء درسًا تاريخيًا، فهو أيضًا نداء للحاضر: أن لا تركن الشعوب للمستبدين، ولا يخضع الأحرار للظالمين، وأن كل بحر يمكن أن ينشق لمن يحمل يقين موسى، وأن كل فرعونٍ زائل مهما علا صوته.
إننا في زمنٍ يحتاج إلى موسى جديد، لا ليشق البحر، بل ليشُقَّ الغشاوة عن العيون، ويردّ للقلوب يقينها بأن “معية الله” لا تُهزم.
وأخيرًا..
في عاشوراء، لا نُحيي ذكرى قديمة، بل نُشعل شعلة الأمل في صدورنا، ونُعيد فهم سنن الله في الكون:
أن “الحق إذا ثبت، والظلم إذا علا، فالعاقبة للتقوى”.
وأن البحر لا يغرق إلا من عصى، ولا ينشقّ إلا لمن صدق.
فليكن عاشوراء تجديدًا للعهد مع الله، ومع النفس، ومع قضايا العدالة في الأرض.
ولنقل كما قال موسى: “كلا، إن معي ربي سيهدين.”