مقالات

عذاب القبر تسمعه البهائم

عذاب القبر تسمعه البهائم

عذاب القبر تسمعه البهائم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد إن عذاب القبر تسمعه البهائم، فعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقْبُر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل أنا، قال فمتى مات هؤلاء؟ قال ماتوا في الإشراك، فقال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال تعوّذوا بالله من عذاب القبر” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ” ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت. 

 

إمساك ومغص يجعلها تأكل التراب إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين، فقد قيل إن الخيل إذا سمعت من عذاب القبر، حصل لها من الحرارة ما يذهب هذا المغل ” وهذا العذاب أو النعيم في القبر يشمل كل من مات، حتى لو أكلته السباع، أو أُحرق بالنار، أو أُغرق بالبحر، فإنه يشمله هذا العذاب أو النعيم، وهنا شبهة والرد عليها وقد يقول قائل نفتح القبر ولا نرى من ذلك شيئا؟ أولا إن الله تعالى جعل الدور ثلاثا، الدنيا والبرزخ والآخرة، ولكل دار أحكام وأحوال تختص بها، وإن الله تعالى جعل الآخرة وما كان متصلا بها من موت وقبر وبعث، من أمور الغيب وحجبها عن إدراك المكلف ليتميز المؤمن الصادق بالغيب من غيره، وكذلك فإن النار في القبر والنعيم ليست كنار الدنيا ونعيمها، فإنك ترى النائمين الاثنين متجاورين، وعلى فراش واحد. 

 

أحدهما يتألم مما يراه في منامه، والآخر يتنعم، ولما كان الحكم الإجتماعي منصبا على الشكل كان الإنحدار نحو الإهتمام بالشكل هو الأمر الطبيعي المتبادر إليه، أما العناية بالجوهر فيمكن أن تنمو عن طريق التربية الخاصة في الأسرة أو المدرسة، لكن ذلك سيظل ضعيف التأثير ما لم يكن المجتمع كله خاضعا لمبادئ عليا خارجة عن إنتاجه ولن يكون مصدر تلك المبادئ حينئذ الأرض وإنما السماء، لكن حين يكون الدين عبارة عن بعض الرؤى الغيبية أو الدغدغات العاطفية كما هو الشأن عند بعض الملل فإنه لا يضع شيئا في مواجهة التيارات الإجتماعية العاتية لأنه لا يعدو آنذاك أن يكون عنصرا رخوا من عناصر الثقافة، وإن الذين الذي يوجّه ويقاوم هو الذي نمحص حياتنا من أجله، وحينما يضعف الوازع الديني لدى المسلم فإن الميزان يميل مباشرة لصالح المظهر. 

 

وبما أننا نعيش في عصر نتأثر فيه أكثر مما نؤثر فقد أضيف إلى ضعف الوازع الديني عند أكثر الناس الوقوع تحت تأثير الفلسفة الغربية في جوانب الحياة المختلفة، تلك الفلسفة التي شكلت من الإنتاج غير المحدود والحرية غير المحدودة والسعادة غير المتناهية دينا جديدا اسمه التقدم، وإقتضى ذلك توجها كليا نحو الطبيعة لإستثمار كل شيء فيها، ثم إستهلاكه بصورة جشعة لم يسبق لها مثيل ناسين أن موارد الطبيعة محدودة وأن الطبيعة سوف ترد على ذلك بل إنها بدأت بالرد فعلا، وعلى صعيد الرمز فقد كان البطل المسيحي يستوحي شخصية الشهيد وهو نبي الله عيسى عليه السلام حيث وهب حياته من أجل غيره حين صلب كما يزعمون، ثم إنقلبت الأمور رأسا على عقب، حيث صار العالم الغربي يستوحي شخصية البطل الوثني كما يتجسد في أبطال الإغريق والرومان. 

 

ذلك البطل الذي يغزو وينتصر، ويدمر ويسرق وينهب وشتان ما بين شخصية الشهيد الذي يهب حياته من أجل غيره، وبين المقاتل الذي غايته السيطرة على الآخرين وتضخيم الحياة الشخصية، وكانت النتيجة ولادة مجتمعات تعاني من الوحدة والقلق والاكتئاب والنزوع التدميري والخوف من المستقبل والأنانية الشخصية والتفكك الأسري، وتأثرنا نحن المسلمون بهذا كله من حيث ندري ولا ندري وتوجهت قوانا الفاعلة نحو الخارج وأهملنا الجوهر وكانت حالتنا في بعض النواحي أسوأ ممن تأثرنا بهم لأن القوم صاروا إلى الشكل بعد أن حققوا ذواتهم بطريقة فعّالة وإن كان إنحرافها يحمل في النهاية بذرة موتها، أما نحن فقد غادرنا الجوهر لغمر أنفسنا بالشكليات.

عذاب القبر تسمعه البهائم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى