علم من أعلام التصوف شيخ العرب الزاهد العارف بالله (أحمد البدوي)
إعداد/ د. محمد احمد غالى
شيخ العرب أحمد البدوي، هو إمام صوفي سني عربي، ولد بمدينة فاس المغربية عام ٥٩٦ هـ، الموافق لعام ١١٩٩ م، فى عهد الدولة الموحدية، وكان سادس أخوته. أجمع المؤرخون وعلماء الأنساب كافة على اتصال نسبه بالحسين بن علي بن أبي طالب فهو : (أحمد بن علي بن يحيى بن عيسى بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن علي بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحيى بن عيسى بن علي بن أبي القاسم جعفر الزكي بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب). هاجر أجداده من الحجاز إلى أرض المغرب في عام ٧٣ هجرية في عصر الدولة الأموية، بعدما زاد اضطهاد الحجاج بن يوسف الثقفي للعلويين. عقب قيام دولة الموحدين بالمغرب عاد اضطهاد العلويين مرة أخري، واضطربت الاَوضاع في المغرب، فهاجر بصحبة والده وأسرته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وكانت رحلته فى الحياة طويلة، حيث قضى البدوي طفولته وشبابه فى الترحال. استقرت الأسرة ستة أعوام بمكة المكرمة، في عهد الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي، وكان عمر أحمد البدوى وقتها ثلاثة عشر عامًا وحينها توفي والده. تغيرت حياته تماما بعد وفاة والده، فقد عكف على العبادة، واعتزل الناس، وعاش في صمت ورفض الزواج ولم يكن يتحدث سوى قليل. كان أحمد البدوي يضع لثام على وجهه كعادة البدو من أهل المغرب، ولذلك لقب بالبدوي والملثم، وله الكثير من الألقاب الأخرى، مثل (السطوحي، الأسد الكاظم ، أبو العباس، الصامت، أبو فراج، محرش الحرب، ندهة المضام، ولي الله). عكف أحمد البدوي في عزلته على دراسة تعاليم إمامي الصوفية في العراق أحمد الرفاعي وعبدالقادر الجيلاني. في نهاية الثلاثينات من عمره قرر أحمد البدوى الرحيل من مكة إلى العراق، وطاف البدوي شمال العراق وجنوبه، وزار أم عبيدة بلدة أحمد بن علي الرفاعي ومركز الطريقة الرفاعية، كما زار مقام عبد القادر الجيلاني، واتجه أحمد البدوي بعد ذلك إلى لالش في شمال العراق، لزيارة ضريح عدي بن مسافر الهكاري صاحب الطريقة العدوية، وانتقل إلى الموصل والتقى بسيدة تسمى فاطمة بنت برلي كانت غنية وجميلة، ولكنها مغرمة بإيقاع الرجال في شباك حبها. حاولت إغواءه بجمالها الشديد ولم تستطع، ثم حاولت أن تجرّه إلى الزواج بها، لكن في نهاية الأمر يروي بعض المتصوفة أنها تابت على يديه، وعاهدته أن لا تتعرض لأحد بعد ذلك. وبعد مرور عام قضاه البدوي في ربوع العراق، عاد إلى مكة عام ٦٣٥ هـ، الموافق لعام ١٢٣٨ م. في مطلع الأربعينات من عمره، جاء إلى مصر وأقام في مدينة طنطا، بعدما شاهد رؤية في منامه ثلاث مرات أمر فيها بالسير إلى طنطا وقيل له في الرؤية :”سر إلى طندتا فإنك تقيم فيها وتربى رجالًا وابطالًا”. فى طنطا جلس أحمد البدوي واستقر لمدة ١٢ عاما مع الشيخ ركين التاجي، ثم انتقل إلى دار ابن شحيط وهو شيخ الناحية بطنطا.
يُنسب إلى البدوي العديد من الكرامات، أشهرها ما يتداوله العامة أنه كان ينقذ الأسرى المصريين من أوروبا الذين تم أسرهم خلال الغزوات الصليبية المتكررة على مصر ، ولذلك انتشرت مقولة في التراث الشعبي المصري هي “الله الله يا بدوي جاب اليسرى”، أي أن البدوي قد جاء بالأسرى، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء. كان أحمد البدوي فى صمت مطبق، وعزلة دائمة، وعندما أقبل عليه المحبون والمريدون علمهم أن يكون نطقهم ذكرًا وصمتهم فكرًا ونظرهم عبرة، وأن يتخذ كل منهم حرفةً يأكل بها من عمل يده لأن العرق يطهر الجسد من الخطايا تمامًا كما يطهره الوضوء.
من أقوال أحمد البدوي والتى كانت بسيطه، واضحة، وجليه قوله : “طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة السنية، وعلى الصدق والصفاء وحسن الوفاء والولاء، والإخلاص لله ذى الآلاء، و بذل الندى وحمل الأذى، وحفظ العهود والوفاء بالوعود”.
علم من أعلام التصوف شيخ العرب الزاهد العارف بالله (أحمد البدوي)
قال أحمد البدوى الشعر أيضا وكان شعره فصيحا بليغا سهلا، يخاطب العقل والوجدان، ويذوب فى الحب والعشق الإلهي، ومما قاله فى قصيدته “جاء الشيب واقترب الرحيلُ” :
إلهى أنت للإحسان أهلٌ
ومنك الجود والفضل الجزيلُ ***
إلهى بات قلبى فى همومٍ
وحالى لا يُسرُّ به خليلُ ***
إلهى تُب وجُد وارحم عُبيداً
من الأوزار مدمعهُ يسيلُ ***
إلهى ثوب جسمى دنستْهُ
ذنوب حملها أبدَاً ثقيلُ ***
إلهى جُد بعفوك لى فإني
على الأبواب منكسرُ ذليلُ ***
إلهى حُفنى باللطف يامن
لك الغفران والفيض الجزيلُ ***
إلهى خاننى جَلدى وصبري
وجاء الشيب واقترب الرحيلُ ***
إلهى داونى بدواء عفوٍ
به يشفى فؤادى والغليلُ ***
إلهى ذاب قلبى من ذنوبي
ومن فعل القبيح أنا القتيلُ ***
إلهى رَدِّنى برداء أُنسى
وألبسنى المُهابة يا جليلُ ***
إلهى زحزح الأسواء عنى
وكُن لى ناصراً نعم الكفيلُ ***
إلهى سيدى وسندى وجاهى
فمالى غير عفوك لى مُقيلُ ***
إلهى شتتت جيش إصطبارى
هموم شرحها أبداً يطولُ ***
إلهى صرتُ من وجدى أنادى
أنا العاصى المسئ أنا الذليلُ ***
توفي أحمد البدوي يوم الثلاثاء ١٢ ربيع الأول عام ٦٧٥ هـ، الموافق ٢٤ أغسطس لعام ١٢٧٦ م بمدينة طنطا، وكان عمره ٧٩ عاما قضاها فى الزهد، والتصوف، والصفاء، والمحبة والعشق الإلهي. خلفه من بعده تلميذه عبد العال، وبنى مسجده، وكان في البداية على شكل خلوة كبيرة بجوار القبر، ثم تحولت إلى زاوية للمريدين عرفت بالأحمدية. ظلت الزاوية الأحمدية على وضعها حتى عصر السلطان الأشرف قايتباي والذى أقام على الضريح قبة وأقيمت مئذنة للزاوية. تجدد المقام الأحمدي في القرن الثاني عشر الهجري، ثم جاء علي بك الكبير في عام ١٧٦٠ م، وبني مسجد كبير بجوار ضريح البدوي ووضع ثلاثة قبب كبيرة ومقصورة من النحاس نقش عليها إسم ونسب أحمد البدوي. رحم الله أحمد البدوي ورضي عنه وأرضاه.
علم من أعلام التصوف شيخ العرب الزاهد العارف بالله (أحمد البدوي)