فعالية أدبية بعنوان ” القصة الساخرة ” في اتحاد الكتاب العرب
سامر خالد منصور
فعالية أدبية بعنوان ” القصة الساخرة ” في اتحاد الكتاب العرب
أقام اتحاد الكتاب العرب – فرع القنيطرة ، أصبوحة قصصية بعنوان ” القصة الساخرة ” شارك فيها كل من السادة الأدباء والقاصين :
د. محمد عامر مارديني ، عماد نداف ، غسان حورانية ، عائشة قسوم ، محمد طاهر .
وذلك بحضور كوكبة من الكتاب والإعلاميين والمهتمين و رئيس الفرع الدكتور جمال أبو سمرة و بعض أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد ، وقد استهلَّ الأديب رياض طبرة الفعالية بقوله : ” الأدب الساخر هو فنّ أدبي رفيع ومتقدّم ومن أصعب الأنواع الأدبية “.
تنوعات المشاركات في الموضوعات والمسائل التي تناولتها ، ففي مشاركته بعنوان ” بيجامة رياضة ” تطرق إلى تحويل السلطة إلى تسلط عبر ابتزاز مسؤول لمرؤوسه برغم فقر هذا المرؤوس ، مستغلاً حاجته إلى إجازة لزيارة والده المريض ، فطلب منه أن يحضر له أكلة شعبية ، لكن الأحزان غيبت الأمر عن ذاكرة الشاب عندما توفي والده ، فعاد بكيس ٍ فيه منامة والده ، دون أن يغسلها كي تبقى رائحة والده فيها للذكرى ، وعندما رأى المسؤول الكيس و اتشمَّ منه رائحة فظنه يحوي الأكلة الشعبية و سارع يطالب به ، وما أن علم أن مرؤوسه لم يحضر له شيئاً عاقبه بأمره بتنظيم المستودعات وعددٍ من المرافق ، وهنا إشارة إلى الشخصيات السيكوباتية التي لا رادع لتوليها المناصب ولا رادع لممارساتها ، تلك الشخصيات التي لا تكترث إلا لنفسها ولا يهمها السبب الذي قد يُنسي الآخرين الخضوع لرغباتها ، حتى لو كان ذلك السبب فاجعة كموت الأب .
فنيَّاً :
امتازت قصة ” بجامة رياضة ” بمقدرتها برغم قصرها النسبي على أخذنا إلى معايشة الحالة النفسية لبطلها الفقير المكلوم ، كما استطاع القاص مارديني أن يُعبِّرَ ببلاغة عن تلك النظرة المنفعية الأنانية لدى نمطٍ من مسؤولينا ، فرسم عبر السلوك والحدث والوصف شخصيتين متباينتين عبر سردٍ سلس لا حشو أو تقريرية فيه .
كما قرأ الأديب مارديني قصة قصيرة عن رسالة حُب سرعان ما فاجأ القارئ بأن هذا الحب العظيم مُتعدد الأطراف وليس بين طرفين فقط ليكشف أن رسالة الحُب هذه مكتوبة لبحر المحبة الذي تصب فيه كل أنهار الحُب العظيم الدافق بعد أن يمد أجنحته سحاب مَحبةٍ ماطرة قُزحيّة دائمة الخضرة ، إنه حُبُّ الأم .
الأديب عماد نداف :
في مشاركته التي جاءت أقرب إلى فن القصة القصيرة برغم أنها إحدى الزوايا الساخرة مما كتبه في الصحف المحلية ، اتسم نص نداف بعنوان ” عين الجنون ” ببلاغة القول وبالتكثيف والتشويق و انتقاد انتشار التنمر في مواجهة ثقافة الشكوى و الميول إلى اصلاح الخلل التي اتسم بها بطل قصته ، كما امتازت القصة بالالتقاطات الحاذقة والمعبرة حيث تطرق إلى هول الفساد والخلل الذي نعيشه من خلال تناول مسائل فساد صغير وليس قضايا الفساد الكبرى كما يفعل سائر الكتاب فلمسائل الفساد الصغيرة دلالة بليغة على ما وصلت إليه نفوس الفاسدين من دناءة طالت حتى خراطيم دورات مياه إحدى الموسسات ولم تقف التقاطات الأديب عماد نداف عند الفساد الإداري والمؤسساتي بل و تعدته إلى النقد الاجتماعي ليعبر عن ذاته اليقظة الفطينة التي تستهجن وتنبذ كل أشكال الخلل جملة وتفصيلاً ، وقد رويت القصص على لسان الشخصية الرئيسة التي كانت صحفياً ، وأظهر الأديب نداف كم الصحفي مغلوب على أمره عندنا وكم يمكن أن يتعرض لمشكلات في حال فكر بإصلاح أقل وأبسط أشكال الخلل وهنا تأتي المفارقة كون العمل الصحفي يقتضي التصدي لكبرى القضايا ، كما دعت شخصية رئيسه في الصحيفة في نهاية القصة .
الأديبة عائشة قسوم :
تنوعت مشاركة الأديبة عائشة قسوم بين الشعر الحُر والقصة حيث قدمت نصاً شعرياً نسبته إلى الأدب الساخر بينما كان في باب النقد الاجتماعي دون أن يكون ساخراً .
وفي قصتها بعنوان ” إشارة عبور ” عمدت إلى ” الراوي بضمير الأنا ” أي الراوي الشخصية ، ” بطلة القصة ” التي تعلمت منذ الصغر أن تجتاز الطرقات محترمةً إشارات المرور ، ثم لحظت عطلاً ما بها وإهمالاً للإصلاح و فجوراً من قِبل من يتعدى القانون ، حيث سخر من منها أحد المُتجاوزين ونعتها بالبلهاء ومن شدة فجوره في الطرح شككها بصوابية موقفها فعبَّرت بقولها : ربما تغير كل شيء وأنا أقف في طابور الطاعة والاحترام لقوانين السير .
حملت إشارة المرور في القصة دلالات متعددة ” احترام الآخر ، القانون ، النظام ” و تطرقت الأديبة قسوم إلى الفوضى التي يحدثها الفساد والتعسف حيث يعجز المواطن الذي حفظ القانون دون أن يحفظه القانون ، عن تعلم قوانين السير الجديدة مما تسبب له بعطالة في الحركة التي ترمز للفاعلية الانتاجية والعمل و بالعطالة على الصعيد النفسي أيضاً ، إلا أن بطلة القصة لم تجد بُدَّاً من مواجهة الطريق في نهاية المطاف ، لكن الإشارة التي أسمتها الكاتبة عائشة قسوم بالإشارة النورانية مازالت مُعطلة ، وكأن الاصلاح محض وهم ثم كشفت سبب ذلك بأن المخالفين للإشارة لا يريدون اصلاحها برغم إعلانهم لخلاف ذلك ، وأن الثمن كان ضياع عمر من التزم بالوقوف عندها وهو يتحسر على نفسه بينما أخذوا هم يعبرون إلى ما أرادوا ساطعين فرحين بالمجد ! إشارات ذكية ومعادل موضوعي استطاعت القاصة تخليقه عبر اسقاطات موفقة حيث اكتسبت المصطلحات والتراكيب التي استخدمتها والمرتبطة بالحركة والعبور والاجتياز والاشارات مثل ” السلامة الطريقة ” دلالات مضافة عبَّرت عن أزمات الواقع .وفي ختام قصتها أكدت الكاتب أن الطريق العيش في الوطن لا جدوى منه دون نور ونظام .القاص غسان حورانية :
صورت القصة التي حملت عنوان ” لفت نظر ” بشكلٍ موفق ، حال شاب مثقف و كاتب سيناريو وحوار وأديب يتنافسون في حديث ثقافي يتسم بالاستعراض بهدف لفت نظر فتاة حسناء أنيقة أثناء انتظارهم عند طبيب الأسنان بعد أن لاحظوا أنها تحمل رواية لنجيب محفوظ ، و في نهاية غير متوقع للقصة تدعو سكرتيرة الطبيب الفتاة للدخول بلغة الإشارة الخاصة بالصم والبكم ليكتشفوا أن كل أحاديثهم ونقاشاتهم الثقافية الاستعراضية كانت سُداً .
كما تضمنت القصة إشارة غير مباشرة إلى انحسار الحدس لدى المثقفين وعدم شعورهم بالآخرين خلافاً لما ينبغي أن يكون عليه الأديب أو المثقف ، وأشارت القصة إلى كون الثقافة أضحت وسيلة عوضاً عن كونها قيمة وسلوك مُتسامٍ .الأديب محمد الطاهر :
استهل الأديب محمد الطاهر مشاركته التي تضمنت قصصاً قصيرة جداً ، بالخروج عن أسس فن القصة القصيرة جداً وعن أسس أي شكل من أشكال القص وعمد إلى المباشرة فيما قرأه تحت عنوان ” جندي ” وهذا نصها :” أحمد آخر جندي عراقي ألقى السلاح في حين كان القادة الجدد في البار يتبادلون الأنخاب احتفاءً بسقوط الكرامة العربية ” . كما وقع في مسألة الخروج عن أسس فن القصة مجدداً فيما قاله تحت عنوان ” أنا ” : مازلت مُنتظراً عند رصيف المحطة شامخاً كنخل العراق مُنتظراً قدوم قطار الليل .وتباينت مستويات ما قدمه فكان منه الجميل العميق الموحي وما سلف ذكره ، و مما قرأه نقتطف :
لص ظريفلم يعد ذلك اللص يخشى نباح الكلاب في الشوارع المظلمة بعد أن أضحى حارسا للمدينة وسارقاً لأحلامها .
*******ممثللم يكن ممثلاً بارعاً لذلك نجح في التمثيل في المناسبات .*******
وفي قصته الأخيرة بعنوان ” ورطة ” استطاع الأديب محمد الطاهر التعبير عن الكثير بكلمات قليلة ففتح أفق الدلالة على أجمل وجه .
لم يلتقِ هو و وطنهُ إلا في حفرةٍ واحدة .
وهنا نلحظ توظيفه الموفق لمفهوم ” الحفرة ” برمزياتها لـ الحيز الضيق / الحصار / إخفاء الإنسان / سقوطه / جعله لا يبان .. إلى آخر ما يمكن أن تستدعي من معانٍ في ذهن المُتلقي .
ختاماً جاءت فعالية ” القصة الساخرة ” التي أدارها الأديب محمد الحفري موفقة ذات رسائل عميقة تلامس هموم شرائح مختلفة من الناس وامتازت معظم القصص بالاختزال والنهاية غير المتوقعة . وفي الختام فُتح باب تقديم الانطباعات التي جاءت مُجحفة من قبل يوسف جاد الحق و مطانيوس مخول اللذان قاما بنفي صفة الأدب الساخر عن معظم ما سمعاه !