الرئيسيةشعرفيروز
شعر

فيروز

فيروز

فيروز

فيروز

حين يصبح الصوت طريقاً إلى ما وراء النفس’

أنا طارق :

لا أسمع فيروز كي أطرب ولا كي أستعيد ذكرى

بل لأن صوتها يشبه المرآة التي لا تعكس الوجوه

بل تعكس ما تختبئ عنه الوجوه

هناك لحظة دقيقة

حين تدخل نبرتها الأولى إلى صدري

كأن الكون يرفع إصبعه ويقول لي : توقف

هنا يبدأ ما لا يمكن شرحه

فيروز ليست مغنية بالنسبة لي ، بل دليل روح

تأخذني إلى مكان لا أعرفه

لكني أعترف له بانقياد غريب

كأني كنتُ هناك في زمن لم يُكتب

وخرجت منه بلا ذاكرة

وبقيت أغنياتها هي السرج الوحيد الذي يذكرني بالطريق

عندما تصعد بحتها الخفيفة ، يحدث شيء يشبه الانشقاق

أنا الذي يقف هنا ، وأنا الآخر الذي ينساب بعيداً

إلى نقطة بين الحلم والوعي ، بين الجرح الذي لم يلتئم

والأمل الذي لم يولد بعد.

لا أحد يستطيع أن يمنحك هذا العبور

إلا امرأةٌ تعرف كيف تخاطب الجزء الأكثر توارياً في الإنسان ذلك الجزء الذي نخجل من إظهاره

لأنه هش وحقيقي

ويحتاج إلى لمسة واحدة فقط ليبكي

فيروز تلمس هذا الجزء

ولا اعتذار في صوتها ولا شرح

ولا محاولة لإقناعك بأي شيء

إنها فقط تفتح الباب ثم تتركك تدخل وحدك

وكلما دخلت أكتشف أنني لم أكن أبحث عنها

بل كنت أبحث عني

عن الرجل الذي فقد بعضه في الطريق

وأخفق في بعض أحلامه وخاف من بعض مشاعره

ثم وجد في أغنياتها نبرة تقول له :

‘ عد كما أنت ، لا أكثر ‘

إنها لا تداوي الحزن ، بل تُعطيه لغة كي يفهم نفسه

وتعطي القلب طريقة كي يتذكر أنه ما زال حياً

حتى لو كان ينبض على مهل ، حتى لو كان يرتجف

وحتى لو كانت بعض النبضات تسقط منه وتتبعثر.

وأنا كلما سمعتها

أدركت أن الإنسان لا يحتاج معجزة

بل يحتاج صوتاً يترك في داخله نوراً صغيراً

يفتح الطريق إلى روحه ، ولو للحظة واحدة

تكفيه ليبدأ من جديد

فيروز تدخل من مكان لا اسم له

صوتها يعرف الطريق إلى الغرفة التي

أُخفيها خلف ضلعي الأيسر

الغرفة التي أترك فيها كل ما لم أقله

وكل ما أخاف أن يُكشف.

وحين ترتفع نبرتها الأخيرة

يحدث شيء يشبه الانهيار الهادئ :

يتلاشى طارق الذي يعرف كيف يكتب

ويظهر طارق الآخر ، الذي يتنفس ببطء

يتذكر ويشتعل من الداخل دون أن يراه أحد

ويشعر أن العالم ولو لدقيقة

قادر أن يكون أرحم ، أوسع وأكثر قرباً من المعنى.

فيروز

المرأة التي لا تغنّي لي ، بل تفهمني

لا أدري لماذا يحدث هذا

لكن كلما بدأت فيروز تغني

أشعر أن جزءاً خفياً مني يسير نحوها

كما لو أن بيننا اتفاقاً قديماً لم نُعلن عنه يوماً

اتفاقاً على أن صوتها هو اللغة التي أفهم بها نفسي

حين تعجز كل لغات العالم

وأفتح داخلي باباً لا يفتحه أحد

باب الرجل الذي يحتفظ بضعفه في جيبه

كأنه ورقة تعريف ويخاف أن يراها أحد ، إلا هي.

حتى هشاشتي

تعرف كيف تلمسها دون أن تفضحها

وكيف تجعلني أقبل ضعفي

كأنه جزء من بهائي ، لا نقيضه

 

كلما استمعتها تقول

‘ الطفل في المغارة وأمه مريم ، وجهان يبكيان ‘

أرى الطفل وأمه أمام ناظري ، وجهان يبكيان

وأجدني أرغب بلهفة أن أمد يدي لوجهيهما لأمسح دمعهما .

أطال الله عمرك يا جارة القمر

الست ‘ نهاد حداد ‘

طارق غريب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *