المقالات

قراءة في رواية (مأساة إبليس)

جريدة موطنى

قراءة في رواية (مأساة إبليس)

للكاتب المبدع /محيي حافظ

بقلم: يحي سلامة

كان وسيبقي الإتكاء علي القصص الدينية محفوفا بالمخاطر والتي ممكن أن تدخل الكاتب أو الروائي في أزمات ومشاكل ربما كان أقلها التحريف في الدين وإنكار الثوابت وصولا إلي رميه بالكفر والإلحاد.

ويتضح من قراءةرواية (مأساة إبليس) أن محيي حافظ قد فطن إلي هذه المخاطر وإستوعب الدرس من الذين انساقوا بلا حساب وراء أقلامهم وأفكارهم وأيدلوجياتهم فتعامل مع التيمة تعاملا فنيا في إطار ديني لم يخل فيه بما ورد في القرأن الكريم أو الأحاديث النبوية من قصة خلق أدم عليه السلام وسجود الملائكة له ورفض إبليس السجود لأدم المخلوق من الطين وهو بحسب رؤية إبليس أدني منه إذ أن إبليس مخلوق من النار كما هو معروف.

وهنا تكمن الفكرة الأساسية التي أمسك بها المؤلف وجعلها محور الرواية وهي في رأيي المتواضع أن مأساة إبليس نابعة من ذاته ومن تكبره هذا التكبر الذي منعه من السجود لأدم كباقي الملائكة الذين امتثلوا لأمر الله عز وجل ولم يعصوا له أمرا.

إبليس والملقب ب (طاووس الملائكة) كان يري نفسه أفضل حتي من الملائكة قبل خلق أدم عليه السلام فهو يختلف عن الملائكة في النوع وأصل الخلق فهو أولا من الجن وثانيا هو مخلوق من النار بينما الملائكة مخلوقة من النور فضلا عن أنه يملك الاختيار وليس مجبولا علي الطاعة شأن الملائكة. 

والأكثر من كل ماسبق أن إبليس تمتع بميزة الزواج والتناسل عكس الملائكة ولعله كان يهيئ أو يمني نفسه أن يكون هو وذريته خليفة الله في الأرض خاصة بعد زواجه من (اليزابيث) إبنة ملك الجن (سوميا) .

كل هذه العوامل والميزات كانت المحرك الأساسي لإبليس والتي دفعته للتكبر علي أدم والحقد عليه ورفضه السجود له امتثالا لأمر رب العزة سبحانه وتعالي وقد أوضح القرأن الكريم هذا الأمر في قوله تعالي (مامنعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )الأعراف 12

وأراني أتوقف عند وسوسة إبليس لأدم وزوجه حواء وتحريضهم علي الأكل من الثمرة المحرمة بعدما تسلل إليهما في مقامهما بالجنة ودخل في جوف زوجته (اليزابيث) والتي تتشكل حية بأربعة أرجل.

لأراني أتساءل ألا يكفي إبليس أنه رفض السجود لأدم وانتصر لكبريائه وغروره وحقده ?

لماذا لم يدع أدم وحواء لشأنهما ?

لماذا صمم أن ينتقم منهما ويتسبب في طردهما من الجنة كما طرد هو من قبل ?

إنه مسلسل الحقد والكراهية الذي بدأت أولي حلقاته برفض السجود ثم الوسوسة لأدم وزوجته حواء ثم التوعد بغواية ذرية أدم في الأرض وذلك ما أورده القرأن في قوله تعالي (قال فبعزتك وجلالك. لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) ص (82/83).

ويحسب للمؤلف براعته في تصوير هذه المشاهد الثلاث رفض السجود والوسوسة وتوعد ذرية أدم بأسلوب سردي بارع جعل القارئ يغوص في نفسية ومشاعر إبليس المضطربة والمتأججة بالغضب والحقد .

وهذه المشاهد بتسلسلها الزمني صاغها المؤلف في سياق درامي فني بارع سواء بالوصف والغوص في الشخصيات أو في الحوار الجيد وحسن إدارته فرفض السجود كما أوضحنا كان نابعا من تكبر إبليس وأنه رأي نفسه افضل من أدم وهنا تصدرت المشاهد الثلاث النفس الأمارة بالسوء في إبليس فبرغم استشعاره عظمة المولي عز وجل وعزته إلا أن تلك النفس الأمارة بالسوء أبت إلا عصيان الله ورفض الأمر بالسجود لأدم

وهي ذات النفس الأمارة بالسوء التي تصدرت مشهد الوسوسة لأدم وحواء وفي رأيي الشخصي أن الحوار الذي دار بين اليزابيث زوجة إبليس وحواء من أجمل المشاهد في القصة وأدقها تصويرا للمواجهة بين الشر والخير وبين الخبث والنقاء.

ويأتي المشهد الثالث مشهد الهبوط للأرض للثلاثة أدم وحواء وإبليس للعيش فيها حتي حين وأري أن أبليس كان سعيدا جدا بهذا الهبوط وسكن الأرض فهو قد وطأ هذه الأرض قبل أدم وزوجته وخبرها جيدا فضلا عن أنها كانت أمنيته أن يكون هو الخليفة لله في أرضه وقد سنحت له الفرصة للعيش في الأرض ولفرض قانونه وسطوته علي ذرية أدم أجمعين إلا عباد الله منهم المخلصين

وأتوقف هنا أمام تلك الثقة التي تحدث بها إبليس وقسمه لله بعزته وجلاله علي إغواء ذرية أدم فهو أولا وقبل القسم يعرف عظمة الله وعزته ولم ينكرها فإبليس ليس كافرا كما يعتقد البعض بل هو (عاصي أصر علي المعصية ورفض التوبة فاستحق عذاب الله وأن يسكن النار خالدا فيها) والدليل من القرأن الكريم في قوله تعالي (كمثل الشيطان إذ قال للأنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين) 

ولعل في هذا رد علي بعض الأفكار والفلسفات والكتابات التي تروج لمظلومية الشيطان وأنه لم يحصل علي فرصة كتلك التي حصل عليها أدم بتلقي كلمات من الله فتاب عليه أي ادم والحقيقة أن الشيطان كان أفضل حظ من أدم إذ تعددت أمامه فرص التوبة والرجوع فكان بإمكانه أن يتوب بعدما رفض السجود لأدم هذا أولا وثانيا كان بإمكانه التوبة بعد الوسوسة لأدم وزوجته في الجنة وأخيرا كان بإمكانه التوبة لحظة هبوطه للأرض ولكن الكبر والعتاد منعه من انتهاز هذه الفرص الثلاث

عكس أدم الذي تصدرت المشهد نفسه اللوامة عند أول معصية وهي الأكل من الشجرة المحرمة فانتهز الفرصة الوحيدة للتوبة وتاب إلي الله وندم علي مافعل

وهنا يجب التنبيه علي اقوال شائعة منتشرة بين عامة الناس أننا كأبناء أدم ندفع ثمن خطيئة أدم وأكله من الشجرة وهذا بالطبع غير صحيح بالمرة فأدم قد تاب إلي الله بعد الأكل من الشجرة وهبوطه إلي الأرض فالمسألة انتهت بالنسبة لأدم ولكن المشكلة أو الحرب مازالت وستزال دائرة بين ذرية أدم وبين إبليس حتي قيام الساعة والدليل أن أول قاتل وأول قتيل كانوا هم أبناء أدم عليه السلام قابيل وهابيل بعدما وسوس الشيطان لقابيل قتل أخيه هابيل

نحن لم نولد بالخطيئة بل نولد ولدينا استعداد للخطيئة إلا مارحم ربي وفي الوقت ذاته منا من يولد ولديه الاستعداد للفضيلة وهذا مايفسر قول إبليس إلا عبادك منهم المخلصين أي أن هناك عبادا لديهم الاستعداد للإخلاص في عبادة الله وإتباع أوامره وإجتناب نواهيه 

كانت هذه قراءتي لرواية مأساة إبليس للكاتب المبدع محي حافظ

بقلم يحي سلامه

قراءة في رواية (مأساة إبليس)

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار