![قراءة نقدية لرواية على فراش طاغية للكاتب هشام فياض](https://mawtany.com/wp-content/uploads/2025/02/Messenger_creation_228439BD-BF4C-4573-9F9E-3441D335EF43-780x470.jpeg)
قراءة نقدية لرواية على فراش طاغية للكاتب هشام فياض
كتبت منى عبد اللطيف
ما أبأس الإنسان ذلك الشقي بلُبه الصلصالي وما يختلجه من نزاع بين نوره وناره، خيره وشره، ضعفه وتجبره، صلاحه وفساده، وداعته وطغيانه…
فلكل منا دور في الحياة، مشوار كُتب علينا خوضه بكل ما فيه حيث تعصف بنا نفوس لاهية ليس لنا عليها من سلطان حتى نصل إلى أحلك المحطات فنصطدم بالواقع ونبدأ رحلة الصعود كي نتطهر علّنا نتأهل لما هو آت وهو ليس بالهين بل يستلزم جلد وشجاعة كي نُبصر ليس ما حولنا بل ذواتنا بكل ما فيها وقت لا ينفع الهرب…
على فراش طاغية رواية من الأدب الاجتماعي الواقعي، سُطرت بالفصحى سردًا وجوارًا، تمثل تجربة إنسانية خالصة بكل ما تحمله من ضعف وسقوط وانهزام ونزاع وصحوات وغفلات وهفوات، بطلها إنسان غارق في مثلث مميت أضلعه ثلاثة من السبع موبقات وهم الشراهة والغرور والشهوة ظن في نفسه القوة وغرته الدنيا فخُدع وبدل من أن يسوق كما فُطر بات مُساق يدميه رجس الدنيا فيشهق نشوة واستمتاع!
حين باشرت قراءة على فراش طاغية وجدت نفسي دون أن أدري اُسرق لواقعيتها فلم أعد أشعر بما حولي فقط كنت داخل العمل أبحر بين سطوره أرى الشخصيات وإن آثر الكاتب إخفاء ملامحهم الشكلية إلا أنه برع في وصف حالهم وحالتهم النفسية ورحلاتهم المكانية فتبينت ملامحهم وسمعت أصواتهم وارتحلت معهم فرقصت تحت ثلوج بوخارست، وهالتني قلعة دراكولا برومانيا وارتعدت أوصالي من قصته، ومكثت على حافة فراش الطاغية تعصف بي ريح حكاياته تُرجفني علّي استسلم لكني آثرت الصبر حتى تحين المواجهة ويالها من مواجهة مع النفس والطغيان ومع القدر…
يبدأ العمل برحلة جوية تخللتها العديد من الذكريات وانتهت بمفارقة بين مطار إحدى الدول العربية ومطار آخر لدولة أجنبية أقل منه شأنًا ويميل للبدائية إنما يقصده الناس من كل حد وصوب وربما أراد الكاتب أن يوضح ببساطة وواقعية أن ليس كل ما هو أوربي ذهبًا…
لنستكمل الرحلة مع بطل العمل ذلك الروائي والصحفي المعروف الذي انسل خلسة من قدسه الزوجي رفقة روكسانا ولن أخفي عليكم قرائي الأعزاء لقد استوقفني الاسم كثيرًا فبحثت ووجدته اسم من أصل فارسي ويعني الفجر أو الشروق وله أصول ملكية فما علاقة معنى الاسم بالأحداث هذا ما سنكتشفه، ننتقل بعدها لمشهد روكسانا وهي تسحب وسام بطل العمل عبر السلالم المنحوتة وسط الجبل مثقلة بوزنه وجره عبر درجات السلم وعلى وجهها ابتسامة مرهقة وهو مستسلم، وهنا يا أصدقائي السلالم ترمز لرحلة التطهر لبلوغ الغاية الحقيقية ونيل المكافأة، لكن تلك الرحلة لم تكن بإرادة بطلنا ولا بعلمه هو فقط مستسلم لذا لم تؤثر به ولم يشعر بحلاوة العطاء بعد الشقاء فآثر السخرية من الطعام ومقارنته بما هو معتاد عليه…
وتتوالى الأماكن والحكايات وصولا لفراش الطاغية وما سيتبعه من تبعات نتجت عن كتابة بطلنا لمقالة دارت حول هذا الفراش وصاحبه وتجربته الخاصة غير عابئا بقدسية زواجه ولا بتلك العشيقة المنتظرة، نعم فروكسانا ليست عشقه الأوحد بل هو شخص متعدد العلاقات النسائية منغمس بالشهوات لكن كل مُبرر وموظف في موضعه…
لتتوالى محطات أيامه وارتحالاته في دوامة الشتات، التي حوت العديد من الحكايات التاريخية والمعلومات الهامة والقضايا الشائكة بل تعتبر رواية على فراش طاغية رزنامة للشارع المصري ومثقفيه بداية من أمانة الأقلام لقضايا الإرهاب والفساد والحكم والثورات ووعي الشارع ومدى استعداده لتحقيق الشعارات والنداءات الثورية بل وطريقة فهمه لها، إلى المخطط الصهيوني، ثم ازدواجية المعايير، وأثر التربية في بناء الشخصيات، والأهم الرحلة الإنسانية المسيجة بأسوار الخطايا الشائكة…
فتُرى هل كل خطأ يغتفر؟
ومن هو الطاغية شخص بعينه أم مفهوم أم عدة مفاهيم متمثلة في شخوص أو ربما شخص واحد؟!
ما دور روكسانا أهي محض حبيبة أم إنها معبر كالفجر الذي يعبر بنا من ديجور الليل لإشراقة الصباح؟
من هي علياء وهل تصلح الزوجة أن تكون عشيقة؟
وتُرى من هؤلاء النسوة أصحاب الحسابات المغلقة وما علاقة رسائلهن الغامضة ببطل الرواية؟
تتناول الرواية العديد من الملفات كملف الصحة والفساد المالي والإداري وثورات مصر ودور الإعلام في الشحذ والتوجيه وكشف الحقائق والتضليل أحيانا…
تتبعت القصة نظام الحكم في مصر والثورات وانعكاساتها على الشارع المصري والعقلية المصرية،
وعكست واقعيتها الاجتماعية رحلة فلسفية للخلاص مفادها إذا رغبت الخلاص فعليك أن تطرق باب توبتك بكلتا يديك وإن دمت وحين يُفتح واجه وتحمل تبعات عمرك الفاني ولكي تصل للنهاية عليك بالعودة إلى الأصل فهناك تكمن المواجهة وتوجد الحقيقة التي تمخض بداية التطهر والخلاص…
في النهاية أشكر الكاتب الكبير الأستاذ هشام فياض على التجربة الثرية المشبعة أدبيًا ووجدانيًا.