ادب وثقافة

لقد أصبح تغيير نظام العالم أمر ضروري

جريدة موطني

لقد أصبح تغيير نظام العالم أمر ضروريلقد أصبح تغيير نظام العالم أمر ضروري

بقلم / يوسف المقوسي 

 

تنتظم العلاقات الدولية في نظام عالمي مركزه الولايات المتحدة الأميركية. مركز تحكم الرأسمالية النيوليبرالية من خلاله كل البشرية. نظام الجباية فيه يعتمد على الدولار الذي تحميه القوة العسكرية الأميركية.

تنتشر الجيوش الأميركية حول العالم، ولها سبع قيادات آمرة. الدولار هو العملة التي تنتهي إليها مدخرات مجتمعات الدول؛ والولايات المتحدة تطبع ما شاءت من كميات العملة الورقية. تحكم الولايات المتحدة العالم. يخضع لها ما يسمى بالقانون الدولي، وهي لا تخضع له.

“مدينة على جبل”، كما قال زعيم أول سفينة مهاجرين الى القارة الأميركية، خلال الربع الثاني من القرن السابع عشر. كل ما يجري على سطح الكرة الأرضية يتعلّق بما يُسمى المصلحة الوطنية الأميركية، كما كان يقول جيمي كارتر، وبعد ذلك ايديولوجيا النيوليبرالية التي تقضي بإضعاف الدولة في كل دول العالم، ما عدا الولايات المتحدة، التي تتمتّع بدولة قوية ذات قوة عسكرية ومالية حول العالم كله. نظام سيطرة يعتمد النيوليبرالية التي تُفْرض على دول العالم الأخرى من خلال صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة الحرة والبنك الدولي.

 

تصدير النيوليبرالية كأيديولوجيا النظام العالمي، يضمن تدفق الرساميل الى الولايات المتحدة، والحرص على تدني الأجور في البلدان الأخرى عن طريق الديكتاتورية العسكرية، ومنع النقابات العمالية من تنفيذ اضرابات لرفع الأجور. الكل خارج أميركا يعمل لمصلحتها.

الجيوش حول العالم جاهزة لفرض السياسات النيوليبرالية بالقوة. يفضلون عدم التدخل المباشر بالجنود الأميركيين، كما في حرب أوكرانيا، فكان عبء القتال على الجيش الروسي ومرتزقته. حتى الآن لا نعرف ما الذي دفع الرئيس فلاديمير بوتين للقتال مباشرة ضد أوكرانيا بعد تجربة أفغانستان التي أدت الى سقوط الاتحاد السوفياتي.

 

قيادة الجيوش الأميركية هي التي تقود السياسة الجيوستراتيجية للدولة الأميركية. سلطة القادة العسكريين تفوق سلطة السفراء الأميركيين. يبلغ عدد العاملين لدى هؤلاء القادة في مكتب واحد منهم الألف عنصر من مدنيين وعسكريين. وعندما يزور إحدى الدول يكون السفير تحت امرته. نظام عسكري في السياسة الدولية.

 

لا يخضع أميركي لمحاكمة خارج بلده مهما ارتكب، لذلك فإن مؤسسات حقوق الإنسان التي تُهدّد الدول الأخرى تبقى على مسافة من الولايات المتحدة، برغم أن التمويل يأتي بعضه أو أكثره منها. الاستثنائية الأميركية مرتكز أساسي لسياسة حقوق الإنسان التي تُهدّد الولايات المتحدة كل دول العالم بها. كل الدول تخضع للقانون الدولي، أو ما يسمى كذلك، ولا تخضع له الولايات المتحدة.

 

التحليل الذي أجراه كارل ماركس على مصانع أوروبا في القرن التاسع عشر يسري على كل دول العالم بزعامة الولايات المتحدة. دول العالم تنتج بواسطة قواها الحية، وتكون الأجور حول الحد الأدنى أو دونه، ربما يكفي فقط للعيش على حد الفقر لدى شعوب العالم (البروليتاريا)، وعندما تخرج البضاعة الى السوق، تتحقق الأرباح للشركات الكبرى، وغالباً ما تكون أميركية، ولا مانع من بعض شركات محلية تتقاضى الفتات. أما الذين يعملون بأجر ويسمون البروليتاريا فهم معظم سكان العالم، ويتقاضون أجوراً متدنية تقترب من الحد الأدنى القريب من خط الفقر. ما يُسمى “تدفق الاستثمارات” الى بلد ما من البلدان التي كانت تُسمى عالماً ثالثاً هو في الحقيقة تدفق الفقر الى هذه البلدان مع تدفق للثروة باتجاه معاكس. يقيم أصحابه الذين يمتلكون الشركات الكبرى ويستلمون الأرباح في المركز الامبريالي الأميركي.

 

أما نظام التعليم والتربية، فهو متدرج من الأفضل في العالم الى العادي في المستوى أو دونه، لاستجلاب عقول أذكياء العالم لسد حاجات مراكز البحوث في كل الجامعات الأميركية. وهذه تمولها الدولة والشركات الكبرى. هذا الى جانب مراكز البحوث الخاصة لدى الشركات الكبرى والوسطى. نظام نموذجه الأعلى هو الإبداع التكنولوجي لا العلمي. يكفي أن يخلق (يبتدع) أحدهم سلعة جديدة، هي عبارة عن قيام واحد بتعليب جديد أو تغيير بسيط، حتى يسجّل “الاختراع”. فيصير هذا سلعة للبيع. وهذا لا يمنع حقيقة أن بعض هذه الابداعات أنتجت سلعاً ذات شركات تعم العالم الذي يستهلكها أو يُقلدها.

 

يتحدث اليسار حول العالم عن ضرورة تغيير النظام الدولي أو المحلي؛ تغيير النظام أو تغيير في النظام، علماً بأن معظم البشرية العائشة في ظل هذا النظام هم ممن لا يملكون شيئاً، ولا أمل لهم في أن يحققوا شيئاً. معظم البشرية ناس مهمشون؛ والتهميش مسألة حياة أو موت. قليلاً ما يجري الحديث عن المأزق. مأزق البشرية التي أفسد نضالها ضد الامبراطورية، من أي نوع، النظام السوفياتي الذي جاء باسم الحرية والتحرر والعيش الكريم. وانتهى الى نظام بؤس تحكمه نخبة غاشمة، أشد فساداً من النخبة الأميركية، ثم سقط دون أن يأسف له أحد من الذين ادعى النطق باسمهم والعمل لهم.

 

تغيير نظام العالم أمر ضروري. هل هو حتمي؟ لا ندري. صرنا نأنف من الحديث عن الحتميات التاريخية أو حتى التفكير بها. نأنف من التفكير عن المستقبل لأننا لا نعرف، أو لا نريد أن نعرف الهدف. كيف نفكر بالأهداف وعلم الاجتماع الحديث عمم علينا منع التفكير في الغائبات؟

 

هي إمبريالية من نوع جديد. نحتاج إزاءها الى تفكير من نوع جديد لإيجاد السبل والوسائل لإخراج الجحافل التي تشكل معظم البشرية، من بؤسها وفقرها المدقع وإحباطها الذي يصل بها الى شلل المقاومة للنظام. نجح النظام الدولي في نشر وعي عام، حتى لدى المهمشين، بأن كل الذين يناضلون ضده إرهابيون. ما زال الوعي العام السائد لمصلحة هذه الامبريالية، والقوى المعترضة تعاني شللاً أو ما يشبهه. الفردية التي جاءت بها ذررت المجتمعات البشرية في عصر النيوليبرالية أو ما يسمى ما بعد الحداثة. هذا التعبير الذي ما يزال عصياً على الفهم.

 

فهم النظام وإدراكه مهمة اليسار الأولى، دونهما يبقى اليسار العالمي دون دليل عمل. المهمة الأولى الآن هي فهم العالم قبل تغيير نظامه. صحيح أن الفهم مستحيل دون الممارسة. لكن الممارسة دون فهم إجمالي هي خبط عشواء. 

لقد أصبح تغيير نظام العالم أمر ضروري

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار